Academia.eduAcademia.edu
‫‪127‬‬ ‫‪.‬‬ ‫الن�ساأ‪ I‬التا‪Q‬يخية للدين‬ ‫عند الفا‪Q‬ابي ‪ h‬ابن ‪TQ‬سد‬ ‫أشـرف منـصور‬ ‫مقدمـة‬ ‫كانت امأثرة الكرى لفاسفة اإسام حاولة‬ ‫استيعاب الدين بالعقل‪ .‬ومن هنا ظهرت حاوات التأويل‬ ‫العقي للنص الديني والتي جاوزت التأويل امجازي‬ ‫للمعتزلة‪ ،‬وكانت أكثر راديكالية منها‪ .‬ومن بن أهم‬ ‫نظريات فاسفة اإسام ي استيعاب الظاهرة الدينية‬ ‫بالعقل ووضع الدين ي إطار عقاي‪ ،‬أفكار الفاراي‬ ‫وابن رشد امفرة أصل الدين ولنشأته التارخية‪ .‬فقد‬ ‫اتفق الفاراي وابن رشد عى أسبقية العقل عى الوحي‪،‬‬ ‫أنطولوجي ًا وإبيستيمولوجي ًا وتارخي ًا‪ .‬وكانت هذه‬ ‫اأسبقية عندما عامة للبرية كلها‪ ،‬فيا عدا أمة العرب‬ ‫التي كان الوحي فيها سابق ًا عى نشأة الفلسفة‪.‬‬ ‫إن ما نستفيده من أفكارما حول ترتيب العاقة‬ ‫امعرفية والتارخية بن الدين والفلسفة هو أها كانا يدافعان‬ ‫عن أسبقية الفلسفة والتفكر الفلسفي عى الدين والتفكر‬ ‫الديني‪ ،‬كل وفق مذهبه الفلسفي اخاص؛ وهو ما يمثل‬ ‫اجاه ًا معاكس ًا مام ًا لاجاهات اأنثروبولوجية والثقافية‬ ‫والسوسيولوجية احديثة التي وضعت الدين والتفكر‬ ‫الديني ي مرحلة سابقة عى نشأة الفلسفة؛ وموقف ًا أكثر‬ ‫راديكالية من كل النظريات التي تبنت الرتيب امعاكس‪.‬‬ ‫تركز هذه الدراسة عى رصد كيفية وضع الفاراي‬ ‫وابن رشد للراتب اأنطولوجي وامعري والتارخي‬ ‫للفلسفة والدين‪ .‬فعى مستوى الراتب اأنطولوجي بن‬ ‫الفلسفة والدين‪ ،‬أو العقل والوحي‪ ،‬تنص الرؤية الفيضية‬ ‫للكون عند الفاراي عى أن العقل هو أول كيان يصدر‬ ‫عن الواحد‪ ،‬أو اإله‪ ،‬وبالتاي فإن له اأولوية امطلقة عى‬ ‫ظاهرة الوحي التي هي عنده فيض من العقل الفعال عى‬ ‫خيلة النبي‪ .‬وعى امستوى اإبيستيمولوجي فإن العقل‬ ‫عند الفاراي حتل امكانة العليا‪ ،‬تليه امخيلة وأخر ًا احس‪.‬‬ ‫فكان من الطبيعي لديه أن ينظر إى امعرفة العقلية عى‬ ‫أها أعى من التفكر الديني امستخدم للمخيلة‪ .‬وأما عى‬ ‫امستوى التارخي فإن الدين متأخر عى الفلسفة زماني ًا‪،‬‬ ‫أن الدين لديه يع ِلم اجمهور بالطرق اخطابية ما توصلت‬ ‫إليه الفلسفة بالطرق الرهانية‪.‬‬ ‫أما ابن رشد فقد اتفق مع الفاراي ي تبني اأولوية‬ ‫اأنطولوجية واإبيستيمولوجية والتارخية للفلسفة عى‬ ‫الدين‪ ،‬لكنه خالفه ي اإطار الذي وضع فيه هذه اأولوية‬ ‫والذي كان الرؤية الفيضية للكون عند الفاراي وامتأثرة‬ ‫باأفاطونية امحدثة‪ .‬وي امقابل مسك ابن رشد بإطار‬ ‫أرسطي يضع فيه أولوية العقل عى الوحي‪ .‬فعى امستوى‬ ‫اأنطولوجي فإن اإله عند ابن رشد عقل حض‪ ،‬فاعل‬ ‫للنظام والرتيب الذي ي الطبيعة‪ .‬وبالتاي‪ ،‬فإن الوحي‬ ‫عنده جرد وسيلة إجاد نظام وترتيب ي ااجتاع البري‪.‬‬ ‫ولذلك فإن الوحي عنده ليس ظاهرة عجائبية فوق‬ ‫طبيعية‪ ،‬وكل الفرق بينه وبن العقل هو الطرق اخطابية‬ ‫والشعرية التي يستخدمها النص الديني مع اجمهور‬ ‫مراعاة أفهامهم‪ .‬وعى مستوى اأولوية التارخية للعقل‬ ‫عى الوحي‪ ،‬ذكر ابن رشد ي (تفسر ما بعد الطبيعة) وي‬ ‫(تلخيص الساء والعام)‪ ،‬وي رسالته (ي إمكان ااتصال‬ ‫بالعقل الفعال) أن العلم ظهر أواً ي احضارات القديمة‬ ‫ثم اختفى‪ ،‬وم يبق منه إا بعض الرموز واأمثال التي‬ ‫كانت مستخدمة لتعليم اجمهور آنذاك‪ ،‬وظلت هذه‬ ‫احكايات الرمزية منترة بن اجمهور ي كل أمة وظهرت‬ ‫ي نصوصها الدينية‪ .‬أما اجديد الذي أتى به ابن رشد فهو‬ ‫‪128‬‬ ‫أولوية سياسية للفلسفة عى الدين‪ .‬ففي رحه جمهورية‬ ‫أفاطون‪ ،‬ذهب ابن رشد إى أن واضع كل ريعة ي حاجة‬ ‫إى اأسلوب الديني ي التفكر كوسيلة مخاطبة اجمهور‬ ‫وأداة لتنظيمه وصاحه‪ .‬وبالتاي فإن الطريقة اأصلح ي‬ ‫تنظيم وحكم جتمع من العامة هي الطريقة الدينية حسب‬ ‫ما توصل إليه العقل نفسه‪.‬‬ ‫ومن هنا نرى أن الراتب التارخي بن الفلسفة‬ ‫والدين عند الفاراي وابن رشد قائم عى نظرية ي امعرفة‬ ‫تعطي اأولوية للعقل عى الوحي‪ ،‬ذات أصول أفاطونية‬ ‫حدثة عند الفاراي‪ ،‬وذات أصول أرسطية عند ابن رشد‪.‬‬ ‫وعى الرغم من اختاف اأصول إا أن النتيجة لدها‬ ‫واحدة‪ ،‬وهي فلسفة ي ااجتاع السياي جعل الديني‬ ‫ُمستو َعب ًا بالكامل ي امدي‪.‬‬ ‫وبذلك تنقسم هذه الدراسة إى أربعة أجزاء‪ .‬ي اجزء‬ ‫اأول أعرض للرؤية التطورية اخطية لتاريخ اأديان والتي‬ ‫بدأت بسوسيولوجيا كومت التي وضعت الدين ي مرحلة‬ ‫سابقة عى الفلسفة‪ ،‬وذلك مهيد ًا لتوضيح خالفة الفاراي‬ ‫وابن رشد هذه الرؤية‪ .‬وي اجزء الثاي أهدف توضيح‬ ‫اأولويتن اأنطولوجية واإبيستيمولوجية للفلسفة عى‬ ‫املة لدى الفاراي‪ ،‬واللتان نتجتا ي أولوية تارخية‪ ،‬أو بتعبر‬ ‫الفاراي‪ ،‬سبق الفلسفة عى املة بالزمان‪ .‬وي اجزء الثالث‬ ‫أثبت أن إشارات ابن رشد إى اكتال العلم لدى اأمم‬ ‫القديمة الغابرة ثم حول هذا العلم إى مثاات وحاكيات‬ ‫وخييات لدى أصحاب اأديان التالية‪ ،‬جد اأساس‬ ‫النظري له ي فلسفة الفاراي ي الدين‪ .‬وكذلك جد ابن رشد‬ ‫أساس إثبات عدم تعارض الفلسفة والدين ي كتابه (فصل‬ ‫امقال)‪ ،‬مع التمييز بن خطاب الدين وخطاب الفلسفة‪ ،‬من‬ ‫الفاري أيض ًا‪ .‬وي اجزء الرابع أوضح أن هذا الرتيب الذي‬ ‫يعطي اأسبقية التارخية للفلسفة عى املة‪ ،‬وعى الرغم من‬ ‫أنه يقدم لنا ترتيب ًا خالف ًا للرتيب امعتاد بينها ي الدراسات‬ ‫احديثة والذي يرجع بأصله إى عر التنوير اأوروي‪،‬‬ ‫إا أن ما يؤكد لدينا صحة هذا الرتيب هو دراسة توينبي‬ ‫للتاريخ‪ ،‬والتي اكتشفت السبب ي اأسبقية التارخية‬ ‫للفلسفة عى اأديان الكرى‪.‬‬ ‫‪ .I‬اموقع التارخي للدين ي الدراسات احديثة‬ ‫ترسم الدراسات احديثة لأديان صورة خطية‬ ‫تضع فيها اأديان عى متصل تطوري مستقيم‪ ،‬تبدأ فيه‬ ‫البرية باأسطورة والسحر واخرافات‪ ،‬ثم تتحول إى‬ ‫الرؤى الدينية للعام والتي تبدأ تعددية وتنتهي توحيدية‪،‬‬ ‫وبعد امرحلة الدينية تأي امرحلة اميتافيزيقية التي مثلها‬ ‫الفلسفة‪ ،‬وأخر ًا تأي مرحلة العلم ي العر احديث‪.‬‬ ‫تدين هذه الرؤية اخطية التطورية موقع اأديان ي التاريخ‬ ‫البري بأصوها اأوى لعر التنوير (فولتر‪ ،‬ديدرو‪،‬‬ ‫كوندرسيه‪ ،‬كوندياك‪ ،‬عى سبيل امثال)؛ ثم استمرت‬ ‫امدرسة التارخية اأمانية ي نفس هذا التوجه وعى رأسها‬ ‫هردر وهيغل‪ .‬ووجدت هذه الرؤية صياغة أكثر انضباط ًا‬ ‫ي نظرية أوجست كومت ي امراحل الثاث(‪ ،)2‬امرحلة‬ ‫الاهوتية أو الدينية‪ ،‬وامرحلة اميتافيزيقية أو الفلسفية‪،‬‬ ‫وأخر ًا امرحلة الوضعية أو العلمية؛ وكذلك نظرية جيمز‬ ‫فريزر ي كتابه (الغصن الذهبي)(‪ ،)3‬وماكس فير ي نظريته‬ ‫ي السلطة والكارزما‪.‬‬ ‫لكن احقيقة أن هذه النظرية مصابة بعيوب كثرة‪.‬‬ ‫منها أها ا تستطيع تفسر التقدم العلمي اهائل الذي‬ ‫وصلت إليه احضارات القديمة والذي سمح ها ببناء‬ ‫اأبنية العماقة مثل اأهرامات وامعابد امرية وفن‬ ‫التحنيط امري والتقدم ي امجاات الطبية واهندسية‬ ‫آنذاك؛ إذ تكشف اإنجازات امعارية للحضارات القديمة‬ ‫عن درجة عالية من التطور العلمي والتقني ا يتناسب‬ ‫أبد ًا مع ما تصورته الدراسات احديثة لأديان من مستوى‬ ‫بدائي للذهنية وللديانة‪ .‬كا أن ااجاه التطوري اخطي هذه‬ ‫النظريات ا يستطيع تفسر ظاهرة التدهور التارخي لأديان‬ ‫والعقليات والذي تتحول فيه العقائد إى شعوذة ويتحول‬ ‫من خاله العلم إى سحر‪ .‬وهي أيض ًا عاجزة أمام تفسر‬ ‫حقيقة سبق ظهور الفلسفات العقانية اليونانية لأديان‬ ‫الكرى؛ إذ أن هذه احقيقة تنهار أمامها نظرية كومت ي‬ ‫امراحل الثاث‪ ،‬وكل النظريات التي وضعت الفلسفة ي‬ ‫مرحلة تالية عى الدين؛ فالذي حدث بالفعل أن فاسفة‬ ‫اليونان قد سبقوا امسيحية واإسام‪ ،‬ما يقدح ي صحة‬ ‫ااجاه التطوري اخطي الذي يضع اأديان قبل الفلسفة‪.‬‬ ‫واحقيقة أن النظرية الوحيدة ي تراثنا الفلسفي والتي‬ ‫انتبهت إى هذه احقيقة‪ ،‬وهي أسبقية الفلسفة عى اأديان‬ ‫تارخي ًا‪ ،‬هي نظرية الفاراي التي اتضحت ي كتبه (كتاب‬ ‫احروف)‪ ،‬و(كتاب املة)‪ ،‬و(السياسة امدنية)‪ ،‬و(آراء أهل‬ ‫امدينة الفاضلة)؛ وهي نفس النظرية التي تبناها ابن رشد‬ ‫وظهرت لديه ي الكثر من أعاله‪.‬‬ ‫أشرف منصور‬ ‫‪ .II‬أولوية الفلسفة عى املة عند الفاراي‬ ‫تتضح اأولوية النظرية للفلسفة عى املة عند‬ ‫الفاراي‪ ،‬بجانب اأولوية العملية‪ ،‬ي رؤيته اأنطولوجية‬ ‫للوجود‪ .‬فاموجود اأول عقل(‪ ،)4‬وأول موجود يصدر عنه‬ ‫هو عقل أيض ًا‪ .‬وآخر العقول الفائضة عن العقل اأول هو‬ ‫العقل الفعال‪ ،‬امدبر لعام ما دون فلك القمر(‪)5‬؛ ومن هذا‬ ‫العقل الفعال يأي الوحي لأنبياء‪ .‬ومعنى هذا أن للعقول‬ ‫امفارقة اأولوية اأنطولوجية امطلقة عى الوحي‪ ،‬أن‬ ‫الوحي يتم من عقل إى عقل‪ ،‬من العقل اأول إى العقل‬ ‫الفعال إى عقل النبي‪ ،‬وأخر ًا من عقل النبي إى خيلته‪ .‬ذلك‬ ‫أن امخيلة حتل امرتبة اأدنى ي املكات امعرفية لإنسان‪.‬‬ ‫و«السعادة عند الفاراي يتم تعقلها أواً بالعقل‬ ‫النظري»(‪ ،)6‬ثم تدرك القوة العملية متطلبات هذه السعادة‬ ‫ذات اجوهر العقي كي تتحقق عملي ًا‪ .‬أما القوة النزوعية فهي‬ ‫التي تشتاق إى هذه السعادة وتشكل الدافع اإرادي لسعي‬ ‫اإنسان نحوها‪ .‬وأما القوة امتخيلة فهي قوة مساعدة‪ ،‬وبتعبر‬ ‫الفاراي هي قوة تابعة ومنقادة للقوى السابقة عليها(‪ .)7‬هذا‬ ‫الرتيب اأنطولوجي لكيفية حصول السعادة لإنسان يوازيه‬ ‫ترتيب اجتاعي سياي وتارخي‪ .‬الرتيب ااجتاعي السياي‬ ‫تكون فيه اأولوية لصاحب العقل الكامل وهو الفيلسوف‪،‬‬ ‫وهو الذي يدرك السعادة احقة بعقله‪ ،‬ثم النبي الذي يدركها‬ ‫بعقله وخيلته مع ًا‪ ،‬ثم اجمهور الذي ا يستطيع إدراك السعادة‬ ‫إا بامخيلة؛ أي بإدراكه أمثال وحاكيات السعادة بالصور‬ ‫احسية(‪ .)8‬وأما الرتيب التارخي إدراك السعادة فهو اآخر‬ ‫يتبع الرتيب اأنطولوجي للموجودات‪ ،‬حيث تظهر الفلسفة‬ ‫أواً وبإطاق ي تاريخ البرية‪ ،‬وتتلوها املة(‪ .)9‬وجد الفاراي‬ ‫مرر ًا لتأخر املة عن الفلسفة ي عدم استعداد كل الناس‬ ‫إدراك السعادة العقلية احقة التي يدركها الفيلسوف وحده‪،‬‬ ‫ولذلك وجب عى الفيلسوف أن يمثل للناس هذه السعادة‬ ‫با حاكيها وبا يمكن أن يتخيلوه‪ ،‬وذلك نظر ًا لعدم اكتال‬ ‫القوة العقلية عند العامة‪ .‬وي ذلك يقول‪« :‬وليس كل إنسان‬ ‫ُيف َطر ُمعد ًا لقبول امعقوات اأول‪ ،‬أن أشخاص اإنسان‬ ‫حدث بالطبع عى قوى متفاضلة وعى توطئات متفاوتة»(‪)10‬؛‬ ‫و«أجل ما قيل ي اختاف الفطر ي أشخاص اإنسان‪ ،‬فليس‬ ‫ي فطرة كل إنسان أن يعلم من تلقاء نفسه السعادة وا اأشياء‬ ‫التي ينبغي أن يعملها‪ ،‬بل حتاج ي ذلك إى معلم ومرشد‬ ‫[‪ ]...‬وعى هذا أكثر الناس‪.)11(»...‬‬ ‫وأن ااجتاعات امدنية ي حاجة إى سلطة‪ ،‬ها‬ ‫‪129 /‬‬ ‫ينقاد الناس‪ ،‬فإن الفاراي يقيم تراتب ًا سلطوي ًا ي الرئاسة‬ ‫عى أساس الراتب الوجودي اأنطولوجي للموجودات‪،‬‬ ‫والراتب امعري للملكات العقلية‪ .‬فالرئيس اأعى هو‬ ‫الفيلسوف بفضل ما حوز عليه من كال عقي‪ ،‬يؤهله أن‬ ‫يكون معل ًا ومرشد ًا‪ ،‬ومن ثم قائد ًا وحاك ًا‪ ،‬من دونه ي‬ ‫ااستعدادات واملكات العقلية‪« :‬فإن الذي له قدرة‬ ‫عى ااستنباط ي جنس ما‪ ،‬رئيس من ليس له قدرة عى‬ ‫استنباط ما ي ذلك اجنس‪ .‬ومن له القدرة عى استنباط‬ ‫أشياء أكثر‪ ،‬رئيس عى من إنا له القدرة عى استنباط أشياء‬ ‫أقل»(‪ .)12‬ما يعني أن من له القدرة عى ااستنباط ي كل‬ ‫اأشياء وكل اأجناس هو الرئيس اأعى امطلق وهو‬ ‫الفيلسوف‪ .‬وي ذلك يتفق الفاراي مع أفاطون ي حاورة‬ ‫اجمهورية‪ .‬فاحاكم احق هو الفيلسوف ا أحد غره‪.‬‬ ‫ثم نفاجأ بأن الفاراي يوحد بن الفيلسوف والنبي‬ ‫ويضعها ي مرتبة واحدة‪ ،‬أو باأحرى يقيم اهوية التامة‬ ‫بينها‪ .‬ذلك أن ما يقوله ي الرئيس اأول عى اإطاق‬ ‫ينطبق عى الفيلسوف والنبي مع ًا‪ ،‬إذ أن ما جعل الفيلسوف‬ ‫فيلسوف ًا والنبي نبي ًا هو القدرة عى ااتصال بالعقل‬ ‫الفعال‪ .‬وهذه القدرة تتحقق عندما بعد استكال العقل‬ ‫امستفاد‪ ،‬القادر عى ااتصال بالعقل الفعال‪ .‬والدليل عى‬ ‫صحة حليلنا هذا‪ ،‬أن الفاراي يعتمد عى تشخيص راح‬ ‫أرسطو اليونان مثل اإسكندر اأفروديي وثامسطيوس‬ ‫لكيفية اتصال الفيلسوف بالعقل الفعال‪ ،‬وينظر إى هذا‬ ‫التشخيص عى أنه هو نفسه طريق اتصال النبي بالوحي(‪.)13‬‬ ‫فالفيلسوف حسب تأويات هؤاء الراح‪ ،‬وتأويات‬ ‫الفاراي نفسه أرسطو‪ ،‬هو امتصل مبارة بالعقل الفعال‬ ‫دون واسطة‪ .‬ويعر الفاراي عن ذلك بقوله‪« :‬وإنا يبلغ‬ ‫[الفيلسوف] ذلك بأن حصل له أواً العقل امنفعل‪ ،‬ثم أن‬ ‫حصل له بعد ذلك العقل الذي يسمى مستفاد ًا‪ .‬فبحصول‬ ‫امستفاد يكون ااتصال بالعقل الفعال عى ما ذكر‬ ‫[أرسطو] ي كتاب النفس»(‪ .)14‬احقيقة أن أرسطو قد أشار‬ ‫بالفعل ي كتاب النفس إى هذه الكيفية ي ااتصال بالعقل‬ ‫الفعال عن طريق استكال العقل امستفاد(‪ ،)15‬لكنه م يذكر‬ ‫أبد ًا أي شئ ي هذا السياق عن هوية القائم هذا ااتصال‬ ‫وا ما إذا كان فيلسوف ًا أم نبي ًا أم ااثنن مع ًا(‪)16‬؛ إذ أن كل‬ ‫ذلك من توظيف الفاراي للنص اأرسطي كي يناسب‬ ‫أهدافه‪ .‬ويتضح وجه توظيف الفاراي للنظرية اأرسطية‬ ‫ي ااتصال بالعقل الفعال ناحية نظريته ي التوحيد بن‬ ‫‪130‬‬ ‫الفيلسوف والنبي ي قوله‪« :‬هذا اإنسان هو املك ي‬ ‫احقيقة عند القدماء‪ ،‬وهو الذي ينبغي أن يقال فيه إنه‬ ‫يوحى إليه‪ .‬فإن اإنسان إنا يوحى إليه إذا بلغ هذه الرتبة‪،‬‬ ‫وذلك إذا م يبق بينه وبن العقل الفعال واسطة»(‪ .)17‬إذ أن‬ ‫انتفاء الواسطة بن العقل امستفاد والعقل الفعال جعل‬ ‫ااتصال بينها فيض ًا من الفعال إى امستفاد‪ .‬واماحظ أن‬ ‫طريق وصول اإنسان إى رتبة الفيلسوف وإى رتبة النبي‬ ‫هو طريق واحد وهو استكال العقل امستفاد‪ ،‬وأن وسيلة‬ ‫ااتصال واحدة وهي هذا العقل امستفاد أيض ًا‪ ،‬وأن طريقة‬ ‫ااتصال واحدة‪ ،‬وهي فيض العقل الفعال عى العقل‬ ‫امستفاد‪ ،‬والذي يقول عنه الفاراي‪« :‬فهذه اإفاضة الكائنة‬ ‫من العقل الفعال إى العقل امنفعل بأن يتوسط بينها العقل‬ ‫امستفاد [هي] الوحي [‪ ]...‬ورئاسة هذا اإنسان هي‬ ‫الرئاسة اأوى‪ ،‬وسائر الرئاسات اإنسانية متأخرة عن‬ ‫هذه وكائنة عنها»(‪ .)18‬والواضح من هذا النص أن طريق‬ ‫ااتصال بالعقل الفعال واحد لدى الفيلسوف ولدى‬ ‫النبي‪ ،‬ما يعني أن الفيلسوف يوحى إليه أيض ًا؛ لكن مع‬ ‫فارق هام‪ ،‬وهو أن الفيلسوف يفيض عليه العقل الفعال‬ ‫بامعقوات اأزلية فقط‪ ،‬أما النبي فإن الذي يفيض عى‬ ‫عقله هو هذه امعقوات‪ ،‬ويزيد عى الفيلسوف أن الفيض‬ ‫يكون عى خيلته أيض ًا باأمور اجزئية التي هي اأحداث‬ ‫امستقبلة والتدبرات العملية اخاصة‪ ،‬باأمثال والصور‬ ‫احسية والرموز وامحاكيات امناسبة لتمثيل مبادئ‬ ‫اموجودات للجمهور(‪.)19‬‬ ‫لكن ما كانت كل امدن اإنسانية أغلبها من العامة‬ ‫الذين ا يقدرون عى تعقل السعادة احقة والرئاسة احقة‬ ‫والفضيلة احقة‪ ،‬كان من الروري لصاح هذه امدن‬ ‫أن ُم َثل هم هذه اأمور بأشياء حاكيها حتى يسهل عى‬ ‫أذهاهم خيلها‪« :‬وأكثر الناس ا قدرة هم إما بالفطرة وإما‬ ‫بالعادة عى تفهم تلك وتصورها‪ .‬فأولئك ينبغي أن ُخ َيل‬ ‫إليهم مبادئ اموجودات ومراتبها والعقل الفعال والرئاسة‬ ‫اأوى كيف تكون بأشياء حاكيها [‪ ]...‬ولذلك أمكن أن‬ ‫حاكى هذه اأشياء لكل طائفة ولكل أمة بغر اأمور التي‬ ‫حاكى به للطائفة اأخرى أو لأمة اأخرى»(‪ .)20‬وهذا‬ ‫هو سبب اختاف اأديان؛ إذ هو تابع اختاف اأمم ي‬ ‫طرق خيل السعادة‪ .‬ذلك أن تعقل السعادة واحد‪ ،‬أما‬ ‫خيلها فيختلف حسب أذهان وعقليات كل أمة‪ .‬ما يعني أن‬ ‫اأديان وإن كانت ختلف ي الشكل وي اأمور التي مثلت‬ ‫ها السعادة والشقاء ومبادئ وترتيب اموجودات‪ ،‬فإها‬ ‫واحدة ي اجوهر‪ .‬وإذا كانت الفلسفة احقة واحدة لكوها‬ ‫تعتمد عى تعقل واحد معقوات واحدة‪ ،‬فإن املل ختلف‬ ‫اختاف مثيات هذه امعقوات من أمة إى أخرى(‪.)21‬‬ ‫هذا الراتب الذي يعطي اأولوية امطلقة للفلسفة‬ ‫عى املة يناظره تراتب تارخي بينها‪ ،‬يرزه الفاراي ي‬ ‫كتاب (احروف)‪ .‬إذ نستخلص من نظريته ي هذا الكتاب‬ ‫أن الفلسفة احقة إذا كانت ازمانية ومتجاوزة للتاريخ‪،‬‬ ‫فإن اأديان هي التي تتصف بالتارخية‪ ،‬نظر ًا أن اأمم‬ ‫امختلفة أمم تارخية ي اأساس‪ .‬وي تصور الفاراي فإن‬ ‫الفلسفة الرهانية اليقينية ُولدت كاملة ودفعة واحدة عى‬ ‫يد أرسطو امعلم اأول‪ ،‬وذلك أها اتارخية ي اأساس‪،‬‬ ‫فو ِجدَ ت‬ ‫ولذلك م تعرف التطور التارخي(‪ .)22‬أما اأديان ُ‬ ‫تالية لبعضها البعض‪ .‬وهذا هو السبب ي نسخ الرائع‬ ‫لبعضها البعض‪ ،‬حسب ترتيب اأفضل واأنسب منها‪،‬‬ ‫ووفق درجات تطور اأمم(‪ .)23‬إذ أن هناك أمة سبقت‬ ‫الفلسفة فيها ظهور املة‪ ،‬وهي أمة اليونان حسب الفاراي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خطأ أهم‬ ‫وأمة الكلدانين حسب ابن رشد الذي اعتقد‬ ‫سكنوا مر(‪ .)24‬وهناك أمة أخرى سبقت فيها املة ظهور‬ ‫الفلسفة وهي أمة العرب‪ ،‬وذلك حسب درجة تطورهم‬ ‫العقي والتارخي‪ .‬ولذلك فإن أسبقية املة عى الفلسفة‬ ‫عند العرب ليست أسبقية مطلقة بل أسبقية تابعة مستواهم‬ ‫احضاري ودرجة تطورهم العقي‪.‬‬ ‫ونشهد هنا الفاراي وهو ُيدخل النسبية التي تراعي‬ ‫اختاف اأمم ي ترتيبه للعاقة بن الفلسفة واملة‪ ،‬ي‬ ‫مقابل النزعة الشمولية ي الرؤية التارخية لأديان والتي‬ ‫حاول وضع إطار واحد فقط لظهور كل اأديان يستوعب‬ ‫اإنسانية كلها‪ .‬لكن هذه النسبية التارخية م منع الفاراي‬ ‫من أن يعطي اأولوية امطلقة للفلسفة عى املة إذا كانت‬ ‫الفلسفة إنسانية عامة واملة أيض ًا إنسانية عامة‪ .‬إذ نجد‬ ‫اأولوية امطلقة للفلسفة عى املة ي كتاب الفاراي‬ ‫(احروف)‪ ،‬وخاصة ي الباب امعنون (حدوث األفاظ‬ ‫والفلسفة واملة)‪ .‬يذهب الفاراي إى أن الفلسفة متقدمة‬ ‫بإطاق عى املة حتى لو كانت هذه الفلسفة مظنونة أو‬ ‫موهة‪ .‬يقول الفاراي‪« :‬وما كان سبيل الراهن أن ُيشعر‬ ‫ها بعد هذه»‪ ،‬أي بعد اخطابة واجدل والسفسطة‪« ،‬لزم‬ ‫أن تكون القوى اجدلية والسوفسطائية والفلسفة امظنونة‬ ‫أو الفلسفة امموهة تقدمت بالزمان الفلسفة اليقينية‪ ،‬وهي‬ ‫أشرف منصور‬ ‫الرهانية»(‪ .)25‬أما املة فإذا كانت إنسانية عامة‪ ،‬أي لكل‬ ‫البر ا خاصة بأمة معينة‪ ،‬فهي متأخرة بالزمان عن الفلسفة‬ ‫اليقينية‪ .‬يقصد الفاراي بذلك أن اأديان الساوية الكرى‬ ‫تالية ي الظهور عى الفلسفات الكرى(‪)26‬؛ وأن املة يمكن‬ ‫أن تسبق الفلسفة إذا م تكن إنسانية عامة‪ ،‬أي إذا كانت‬ ‫خاصة بأمة من اأمم دون غرها وقارة عليها‪ .‬وهذا هو‬ ‫حال اأديان البدائية‪ .‬أما اأديان الكرى‪ ،‬فأها متوجهة‬ ‫لكل البر فهي تعتمد عى درجة التطور امعري للبرية‬ ‫ككل‪ ،‬وبالتاي تكون تابعة لفلسفة برهانية يقينية‪ .‬ويعر‬ ‫الفاراي عن هذه النظرية بقوله‪ ]...[« :‬فالفلسفة باجملة‬ ‫تتقدم املة عى مثال ما يتقدم بالزمان امستعمل اآات‬ ‫اآات»(‪ .)27‬املة إذن هي آلة للفلسفة‪ ،‬لكوها تستخدم‬ ‫ي تعليم اجمهور اأمور النظرية امرهن عليها ي الفلسفة‬ ‫التمثيات والتخييات‪ .‬فاملة آلة للفلسفة هذا امعنى‪.‬‬ ‫وما كانت اأسبقية الزمانية للفلسفة الرهانية‬ ‫اليقينية عى املة اإنسانية العامة‪ ،‬وما كانت اأولوية‬ ‫اإبيستيمولوجية ها أيض ًا حسب التطور امعري‪ ،‬فإن‬ ‫الفيلسوف هو من اخاصة بإطاق‪« :‬فاخواص عى‬ ‫اإطاق إذن هم الفاسفة [‪ ]...‬وسائر من يعد من‬ ‫اخواص إنا يعد منهم أن فيهم شبه ًا بالفاسفة»(‪.)28‬‬ ‫لكن اماحظ أن الفاراي يعرف بأسبقية العوام‬ ‫واجمهور عى اخواص‪ ،‬ي كل أمة وبإطاق لدى كل‬ ‫اإنسانية‪ .‬فكيف إذن يعطي اأولوية للفلسفة عى املة وقد‬ ‫اعرف بأسبقية العوام عى اخواص؟ احقيقة أن أسبقية‬ ‫العوام واجمهور عى اخواص ي الزمان ا جعل املة التي‬ ‫هي للجمهور أسبق من الفلسفة بالزمان إذا كانت هذه‬ ‫الفلسفة هي الرهانية اليقينية وإذا كانت املة إنسانية عامة‪.‬‬ ‫ذلك أن املة التي تنشأ ي العوام واجمهور أواً ليست‬ ‫هي املة اإنسانية العامة‪ ،‬بل املة اخاصة بجمهور خاص‬ ‫وبأمة خاصة‪ .‬ولذلك تكون هذه املة منطبعة بطباع هذه‬ ‫اأمة اخاصة من حدودية وجزئية‪ .‬ولذلك نرى الفاراي‬ ‫يقول عن العوام الذين ي اأمة اخاصة‪« :‬فإهم يكونون ي‬ ‫مسكن وبلد حدود‪ ،‬و ُيف َطرون عى صور ِو َخلق ي أبداهم‬ ‫حدودة‪ ،‬وتكون أبداهم عى كيفية وأمزجة حدودة‪ ،‬وتكون‬ ‫أنفسهم معدة ومسددة نحو معارف وتصورات وخيات‬ ‫بمقادير حدودة ي الكمية والكيفية‪ .)29(»...‬هذا هو‬ ‫اجمهور اخاص بأمة خاصة حدودة‪ ،‬جزئية ومغلقة داخل‬ ‫حيطها اجغراي الطبيعي‪ ،‬وهو ليس اجمهور بإطاق‪.‬‬ ‫‪131 /‬‬ ‫وحدودية هؤاء هي السبب ي حدودية وجزئية مل]َهم‬ ‫اخاصة‪ .‬وربا انطبق هذا التحليل عى اأمة اليهودية‪،‬‬ ‫وربا كان الفاراي يقصد بعد ذلك هذه اأمة عندما ذهب‬ ‫إى أن املة يمكن أن تنتقل إى أمة بدون ملة سابقة من أمة‬ ‫صاحبة هذه املة بعد أن يتم تصحيحها والزيادة عليها أو‬ ‫النقصان منها و ُغرت تغير ًا آخر(‪ .)30‬فهذه هي أمة العرب‬ ‫التي صحح ها اإسام حدودية الديانة اليهودية‪.‬‬ ‫وناحظ ي نص الفاراي أنه يتحدث عن الفلسفة‬ ‫واملة بإهام وتعميم وا يذكر أبد ًا أديان ًا بأسائها‪ .‬وربا‬ ‫كان الداعي إى ذلك هو التخفي‪ ،‬ما جعل هذا اجانب من‬ ‫نص كتاب احروف مستور ًا(‪ ،)31‬خصص ًا للخاصة وحدهم‬ ‫الذين يستطيعون فك شفرته وجاوز إهامه‪ .‬وبذلك‬ ‫تكون اليهودية ملة خاصة حدودة بحدود اأمة اليهودية؛‬ ‫واليهود يعرفون بحرية ديانتهم واقتصارها عليهم‪،‬‬ ‫وينكرون كوها عامة كلية للبرية‪ .‬وتكون اأديان البدائية‬ ‫كلها فاسدة حسب كام الفاراي السابق لكوها حدودة‬ ‫بحدود جتمعاها وغر قائمة عى فلسفة برهانية‪ .‬لكن هل‬ ‫معنى هذا أن اإسام باعتباره ملة صاحة قائم عى فلسفة‬ ‫أرسطو التي هي الفلسفة الرهانية اليقينية؟ ربا كان هذا‬ ‫هو قصد الفاراي‪ .‬لكن كيف يكون اإسام قائ ًا عى‬ ‫ُقرب‬ ‫فلسفة أرسطو؟ إن هذا ا يعقل أبد ًا‪ .‬لكننا يمكن أن ن ِ‬ ‫امعنى الذي قصده الفاري بقولنا إن مقصوده كان القول إن‬ ‫اإسام متفق وغر خالف للفلسفة الرهانية اليقينية‪ .‬فلا‬ ‫كانت ملة اإسام هي ملة التوحيد‪ ،‬وما كان القرآن قد‬ ‫استدل عى أن للعام خالق ًا مدبر ًا ما ي هذا العام من نظام‬ ‫وترتيب مسددان نحو غاية واحدة وهي حفظ الوجود‬ ‫اإنساي‪ ،‬فإن اإسام يتفق مع الفلسفة الرهانية اليقينية‬ ‫التي سبق وأن دللت عى نفس هذه امبادئ‪ .‬وبذلك تكون‬ ‫الفلسفة الرهانية [فلسفة أرسطو] أسبق بالزمان عى‬ ‫اإسام‪ .‬واحقيقة أن ابن رشد هو الذي توسع ي هذه‬ ‫الفكرة‪ ،‬وخاصة ي كتابه (فصل امقال) عندما أوضح أن‬ ‫العاقة بن الريعة واحكمة هي عاقة اتصال(‪ .)32‬وجب‬ ‫علينا أن نفهم هذا ااتصال عى طريقة ومنهج الفاراي‪،‬‬ ‫بمعنى أن الريعة واحكمة يقعان عى متصل تارخي‬ ‫واحد وإن كانت احكمة أسبق بالزمان عى الريعة‪ ،‬لكن‬ ‫ما بينها من مبادئ نظرية واحدة جعلها متصلن كا ولو‬ ‫كانا عى خط واحد‪ ،‬حتل كل منها فيه موقعه اخاص به‪.‬‬ ‫وبذلك يكون ابن رشد هو امحقق لفكرة الفاراي ي تأسس‬ ‫‪132‬‬ ‫املة الفاضلة عى فلسفة يقينية‪.‬‬ ‫والسبب الذي جعل املة تابعة للفلسفة وتالية عليها‬ ‫لدى الفاراي هو نظريته ي الراتب امعرى التطوري الذي‬ ‫يذكرنا بـ هيغل وبياجيه‪ ،‬ومن قبلها كوندرسيه وكوندياك‪.‬‬ ‫لكن ي حن أن نظريات التطور امعري لدى هؤاء جعلتهم‬ ‫ينظرون إى الفلسفة والتفكر العقاي عى أها مثل مرحلة‬ ‫تالية عى اأديان‪ ،‬ما خالف الرتيب التارخي احقيقي‬ ‫بينها ـ ذلك أن الفلسفة اليونانية قد ظهرت قبل امسيحية‬ ‫واإسام ـ فإن الفاراي ير عى الرتيب امعاكس وينظر‬ ‫إى اأديان التوحيدية عى أها تفرض مرحلة متطورة من‬ ‫الفكر العقاي‪ .‬فحسب الفاراي فإن احاجة إى املة تظهر‬ ‫بعد اكتال الصنائع العملية ثم النظرية‪ ،‬أي بعد اكتشاف‬ ‫اإنسانية للحقيقة بالعقل أواً‪ ،‬ثم نقل اأديان هذه‬ ‫احقيقة إى اجمهور باأساليب امناسبة للجمهور‪ .‬يقول‬ ‫الفاراي‪« :‬ومن بعد هذه كلها»‪ ،‬أي بعد استكال الصنائع‬ ‫«حتاج إى وضع النواميس»‪ ،‬أي اأديان‬ ‫العملية والنظرية‪ُ ،‬‬ ‫والرائع الدينية‪ ،‬و«تعليم اجمهور ما قد اس ُتنْبط و ُفرغ‬ ‫وص ِحح بالراهن من اأمور النظرية‪ ،‬وما اس ُتنْبط‬ ‫منه ُ‬ ‫بقوة التعقل من اأمور العملية»‪ .‬واأديان تعلم اجمهور‬ ‫باأساليب اخطابية ما قد توصل إليه العقل باأساليب‬ ‫الرهانية‪ .‬و«صناعة وضع النواميس فهي بااقتدار عى‬ ‫جودة خييل ما عر عى اجمهور تصوره من امعقوات‬ ‫النظرية»؛ وهذا هو أساس التأويل الذي يرجع بالتمثيات‬ ‫الرمزية وامجازية إى أساسها وأصلها العقي‪ ،‬وبذلك‬ ‫يكتسب التأويل معناه اأصي وهو الرجوع بالشئ إى‬ ‫أوله‪ ،‬أي أصله‪ ،‬وأصل امجاز والرمز وامثال هو خييل ما‬ ‫هو عقي بأمور حسية؛ و«عى جودة استنباط شئ شئ من‬ ‫اأفعال امدنية النافعة ي بلوغ السعادة‪ ،‬وعى جودة اإقناع‬ ‫ي اأمور النظرية والعملية التي سبيلها أن ُيع َلمها اجمهور‬ ‫بجميع طرق اإقناع»(‪ ،)33‬وهذا هو أصل قول ابن رشد ي‬ ‫(فصل امقال) إن الرع استخدم كل طرق اإقناع حض‬ ‫العامة عى اإيان باه‪ .‬إن ظهور أرسطو قبل امسيح وحمد‬ ‫يكسب نظرية الفاراي قوة ووجاهة عى الرغم من خالفتها‬ ‫للدراسات احديثة لأديان والتي تضعها ي مرحلة مبكرة‬ ‫من التطور امعري لإنسان‪.‬‬ ‫أما عن أمة العرب فإن الفاراي يرصد عاقة الفلسفة‬ ‫واملة ها ي قوله‪« :‬وأما إن نُقلت املة من أمة كانت ها تلك‬ ‫املة»‪ ،‬أي بني إرائيل‪«،‬إى أمة م تكن ها ملة»‪ ،‬أي أمة‬ ‫العرب‪« ،‬أو ُأخذت ملة كانت أمة فأصلحت فزيد عليها‬ ‫فجعلت أمة أخرى‬ ‫أو نُقص منها‪ ،‬أو ُغرت تغير ًا آخر ُ‬ ‫ُفأدبوا ها و ُعلموها و ُدبروا ها‪ ،‬أمكن أن حدث املة فيهم‬ ‫قبل الفلسفة وقبل أن حصل اجدل والسوفسطائية»(‪.)34‬‬ ‫فعى الرغم من أن الفاراي قد أعطى اأولوية امطلقة‬ ‫للفلسفة عى املة وأكد عى أسبقيتها بالزمان‪ ،‬إا أنه كان‬ ‫عى وعي بحال أمة العرب التي م تعرف هذه اأسبقية بل‬ ‫كان الرتيب التارخي عندها معاكس ًا‪ ،‬إذ ظهرت فيها املة‬ ‫قبل أن تظهر الفلسفة‪ .‬ذلك أن الفلسفة ي أمة العرب‬ ‫منقولة من أمة سابقة هي اليونان‪ .‬وكذلك املة منقولة‬ ‫إليها من أمة سابقة هي بني إرائيل بعد أن ُصححت‬ ‫ونُقص منها وزيد عليها و ُغرت‪ .‬وأن املة ي أمة العرب‬ ‫كانت سابقة عى الفلسفة‪ ،‬فإن هذا هو ما أدى إى نشوب‬ ‫اخاف بينها‪ ،‬نظر ًا لتمكن املة فيهم قبل أن تتمكن‬ ‫الفلسفة‪ ،‬ونظر ًا أن الفلسفة فيهم كانت منقولة إليهم من‬ ‫أمة أخرى وم تكن نابعة منهم‪ ،‬فنظروا بذلك إليها عى أها‬ ‫غريبة عنهم وعاندوها‪ .‬ومعنى هذا ي التحليل اأخر‬ ‫أن الفلسفة أسبق بالزمان عى املة عى مستوى التطور‬ ‫التارخي وامعري للبرية‪ ،‬لكن املة أسبق عى الفلسفة‬ ‫بالزمان ي حالة أمة العرب وحدها‪ .‬لكن هذا ااستثناء‬ ‫الذي مثله أمة العرب ليس هدم ًا لقاعدة أسبقية الفلسفة‬ ‫عى املة بالزمان‪ ،‬بل يعر وحسب عن خصوصية التطور‬ ‫التارخي أمة العرب وحسب وعن استثنائية هذا التطور‪.‬‬ ‫تلك اخصوصية وهذه ااستثنائية هي التي أدت ي نظر‬ ‫الفاراي إى الراع بن املة والفلسفة ي ديار اإسام‪.‬‬ ‫فلو كان التطور التارخي عند العرب قياسي ًا‪ ،‬أي لو كانت‬ ‫الفلسفة قد ظهرت فيهم تلقائي ًا وقبل املة ودون أن تُنقل‬ ‫من أمة أخرى‪ ،‬ما حدث العناد الذي حدث عنه بينها‪ ،‬وما‬ ‫كان الراع بينها كا حدث بالفعل‪ .‬فاستثنائية التطور‬ ‫التارخي والعقي العري هي السبب ي امصر امؤسف‬ ‫للفلسفة ي التاريخ اإسامي(‪.)35‬‬ ‫‪ .III‬أسبقية الفلسفة عى املة عند ابن رشد‬ ‫وإذا حولنا إى ابن رشد‪ ،‬نراه قد مل فكرة تكاد تكون‬ ‫متطابقة مع فكرة الفاراي عن العاقة الراتبية التارخية بن‬ ‫الفلسفة واملة‪ ،‬إذ هو يعطي اأولوية للفلسفة مام ًا كا فعل‬ ‫الفاراي‪ .‬لكن ي حن أن الفاراي كان يتعمد اإهام وعدم‬ ‫التريح‪ ،‬فإن ابن رشد كان أكثر جرأة منه ي التريح بأن‬ ‫أشرف منصور‬ ‫الفلسفة الرهانية قد اكتملت قبل ظهور اأديان‪ ،‬وذلك ي‬ ‫أربعة مؤلفات‪( .1 :‬تفسر ما بعد الطبيعة)؛ ‪( .2‬تلخيص‬ ‫الساء والعام)؛ ‪( .3‬رسالة ي إمكان ااتصال بالعقل‬ ‫الفعال)؛ ‪( .4‬هافت التهافت)‪.‬‬ ‫ي رحه عى مقالة الام من (تفسر ما بعد‬ ‫الطبيعة)‪ ،‬يؤكد ابن رشد عى اأسبقية الزمانية للفلسفة‬ ‫عى الدين‪ ،‬لكن ا عى طريقة الفاراي بنظرية متكاملة ي‬ ‫فلسفة التاريخ الديني‪ ،‬بل بطريقته هو وهي رح أرسطو‬ ‫حسب ما يقتضيه مذهبه‪ .‬أثبت أرسطو ي هذه امقالة‬ ‫امحرك اأول الذي ا يتحرك‪ ،‬وامتحرك اأول دائم‬ ‫احركة [الساء اأوى أو الفلك امحيط أو الفلك اأقى]‪،‬‬ ‫وامحركات الثواي لبقية اأفاك والتي هي مسببات عن‬ ‫حركة امتحرك اأول؛ وأوضح طبيعة حركات هذه اأفاك‬ ‫وأها من جنس النفس بالنسبة للجرم الساوي؛ إذ هي‬ ‫حرك اجرم الساوي حريك النفس للجسم‪ .‬وبعد أن أثبت‬ ‫أرسطو أن هذه امحركات نفوس بالنسبة لأجرام الساوية‬ ‫وعقول ي عاقتها بامحرك اأول وامتحرك اأول‪ ،‬وأها‬ ‫ذوات نفوس وعقول وأها متنفسة وحية‪ ،‬يرح ابن رشد‬ ‫هذه النظرية بذهابه إى أن أول من اكتشف هذه امبادئ‬ ‫امفارقة لأفاك هم الكلدانيون‪ ،‬الذين يقال عنهم «إن‬ ‫احكمة كانت قد كملت عندهم»(‪ .)36‬لكن ما بقي من‬ ‫تلك احكمة هو جرد ألغاز ‪ ،‬أي خييات وصور جازية‪ .‬إذ‬ ‫حولت هذه امبادئ امفارقة التي حرك اأفاك والتي تؤثر‬ ‫ي عام ما دون فلك القمر وحفظه إى آهة عندما تدهور‬ ‫العلم الكلداي وهبط إى امستوى الشعبي العامي وصار‬ ‫نحلة واقرب من السحر‪ .‬يقول ابن رشد‪« :‬إا أن ما بقي‬ ‫من تلك اأقاويل جري جرى األغاز [‪ ]...‬وقد نُقلت عن‬ ‫اأقدمن جد ًا أقاويل جري اليوم جرى األغاز‪ ،‬وهو أن‬ ‫هذه اأجرام الساوية آهة‪ ،‬وأها التي حيط بجميع اأشياء‬ ‫التي توجد بالطبع»(‪ .)37‬ومعنى هذا أن العبادات البدائية‬ ‫التي كانت تؤمن بتعدد اآهة وتعبد النجوم والكواكب‬ ‫عى أها آهة كانت التدهور التارخي للعلم الكلداي الذي‬ ‫كان أول من اكتشف تأثر اأفاك عى احياة عى اأرض‪.‬‬ ‫وأستطيع أن أضيف إى حليل ابن رشد هنا‪ ،‬أنه ما كان‬ ‫العلم الكلداي ليس عل ًا برهاني ًا يقيني ًا مثل العلم اأرسطي‪،‬‬ ‫ا توحيدية‪ ،‬بل مل ً‬ ‫فإن املل التي صدرت عنه م تكن مل ً‬ ‫ا‬ ‫تؤمن بتعدد اآهة‪ ،‬تعدد النجوم والكواكب‪ .‬ويستمر‬ ‫ابن رشد ي توضيح أن الدافع الذي جعل هذه املل مثل‬ ‫‪133 /‬‬ ‫اأجرام الساوية باآهة‪ ،‬ويقول عنه إنه صاح الناس‬ ‫الذي ا يأي إا بإقناعهم بامبادئ النظرية للموجودات‪،‬‬ ‫بالطرق امناسبة إقناعهم‪ ،‬ولذلك ُم ِثلت هم هذه اأجرام‬ ‫وتأثراها باآهة‪ .‬لكن مثيل اأجرام الساوية باآهة ليس‬ ‫صادق ًا‪ ،‬إذ أن اأجرام ليست آهة عى احقيقة؛ وكان القصد‬ ‫هذا التمثيل «إقناع الناس موضع إصاح أخاقهم وللذي‬ ‫هو خر هم وهو الذي ُيقصد باستعال النواميس»(‪ .)38‬أما‬ ‫الفلسفة اليقينية احقة فهي التي ا تنظر إى اأفاك عى أها‬ ‫مستقلة وقائمة بذاها‪ ،‬بل عى أن فعلها وحركاها آتية من‬ ‫امحرك اأول ذاته؛ وهذا ما جعل الفلسفة الرهانية اليقينية‬ ‫(فلسفة أرسطو) أساس املة الصادقة الفاضلة التي هي ملة‬ ‫التوحيد‪ .‬هذه املة م تعد ترمز للمبادئ امفارقة باآهة بل‬ ‫رمزت إليهم بامائكة الذين هم جند اه وامؤمرون بأمره‬ ‫وامطيعون مشيئته(‪ .)39‬وقد عر الفاراي وابن سينا عن هذه‬ ‫الفكرة نفسها ي أكثر من عمل‪ ،‬واتبعها موسى بن ميمون‬ ‫ي كتابه (دالة احائرين)(‪.)40‬‬ ‫ويؤكد ابن رشد عى أن القدماء‪ ،‬أو اأوائل أو‬ ‫احكاء اأوائل (وكلها بنفس امعنى) كانوا يقصدون‬ ‫باآهة هذه اأجرام الساوية وما تتصف به من نفس وعقل‬ ‫وأها مؤثرة ي عام ما دون فلك القمر تأثر ًا طبيعي ًا‪ .‬وبالتاي‬ ‫فإذا كانت اآهة التي كانوا يقصدوها جرد خييات وأمثال‬ ‫عى امبادئ اأوى للوجود فإن هذا يعد تأوي ً‬ ‫ا صحيح ًا ها‬ ‫وصادق ًا ويقيني ًا‪ .‬أما املل التالية التي قصدت من مبادئ‬ ‫الوجود امفارقة أن تكون آهة عى احقيقة فهي ملل فاسدة‬ ‫عند ابن رشد‪ ،‬متبع ًا ي ذلك الفاراي‪ .‬وي ذلك يقول‪:‬‬ ‫«فإن تأول اإنسان أهم إنا رمزوا باآهة وهم كانوا‬ ‫يريدون اجواهر اأول التي هي مبادئ اأجرام الساوية‬ ‫واأجسام الساوية‪ ،‬فيكون تأوي ً‬ ‫ا صحيح ًا ورمز ًا يوافق‬ ‫احق؛ أنه إن ُع ِر باآهة عن شئ من اأشياء فهذه اجواهر‬ ‫هي أحق هذه العبارة [‪ ]...‬ولذلك وجب أن ُيعتقد أن هذه‬ ‫الرموز هي بقايا بقيت من آرائهم التي فسدت وبادت»(‪.)41‬‬ ‫ويذهب ابن رشد ي اتفاق مع أرسطو إى أن الفلسفة‬ ‫وجدت وبادت مرات عديدة ي قديم الزمان‪ ،‬وي كل مرة‬ ‫تبيد فيها الفلسفة تتحول إى ملة شعبية تؤمن بتعدد اآهة‬ ‫وبأن اأفاك وأجرامها آهة‪ .‬حتى جاءت فلسفة أرسطو‬ ‫الرهانية اليقينية التي أرجعت كل امبادئ امفارقة إى مبدأ‬ ‫واحد وحرك أول واحد وبذلك كانت أساس ملة التوحيد‪.‬‬ ‫وهذه الفكرة الرشدية هي التحقيق العمي لنظرية الفاراي‬ ‫‪134‬‬ ‫ي أن املة اإنسانية الصادقة مؤسسة عى فلسفة برهانية‬ ‫صادقة‪ ،‬كا أها تعر بدقة عن فكرة التدهور التارخي‬ ‫للعلم إى اخرافة والسحر‪ ،‬ولأديان إى نحل شعبية‪ ،‬وهو‬ ‫ما يتفق مع ما سيقوله توينبي كا سنرى‪.‬‬ ‫وما كانت الفلسفة سابقة عى املة بإطاق كا ذهب‬ ‫الفاراي‪ ،‬فإن الفاسفة عند ابن رشد كانوا سابقن دائ ًا عى‬ ‫اأديان بالزمان‪ ،‬وكانوا موجودين وقت ظهور اأديان‪،‬‬ ‫وكانت اأديان تظهر وي العام فاسفة‪ .‬وأن اأديان‬ ‫هي رائع ت ِ‬ ‫ُصلح معاش الناس وأحواهم‪ ،‬وأن الفاسفة‬ ‫كانوا دائ ًا ما هدفون صاح امجتمع بأي طرق كانت‪ ،‬فقد‬ ‫كان الفاسفة يقبلون دائ ًا كل ملة جديدة ما رأوا فيها من‬ ‫نفع للمجتمع وإصاح له؛ إذ أن سعادة العامة عند ابن‬ ‫رشد هي هدف الفاسفة أيض ًا ا سعادة اخاصة وحسب‪،‬‬ ‫وأن سعادة اخاصة عنده ا تتم إا بسعادة العامة‪ .‬ولذلك‬ ‫نرى ابن رشد يقول ي (هافت التهافت) إن الفاسفة كانوا‬ ‫دائ ًا ما يقبلون كل دين جديد‪ ،‬وأن علاء اإسكندرية قد‬ ‫قبلوا اإسام وقت ظهوره أهم وجدوا فيه صاح‬ ‫الناس‪ ،‬وكذلك احال مع الفاسفة ي باد الروم والذين‬ ‫تنروا بعد ظهور امسيحية(‪ .)42‬إذ عندما وجد الفاسفة‬ ‫أن املل كلها ُجمع عى حر اأجساد وعى أن امبدأ اأول‬ ‫وامبادئ الثواي امفارقة هي اه وامائكة‪ ،‬وعى أن هناك‬ ‫سعادة أخروية وشقاء أخروي‪ ،‬قبلوها لعلمهم أن سعادة‬ ‫الناس ا تتم إا بامبادئ النظرية امرموز ها ي املل؛ إذ‬ ‫أن هذه امبادئ هي أساس الفضائل اأخاقية التي هي‬ ‫قوام ااجتاع البري‪ .‬وهذا هو نفسه السبب الذي جعل‬ ‫الفاسفة يقبلون امجازات والتخييات وامثاات التي ي‬ ‫الدين‪ ،‬لعلمهم أها هدف إقناع العامة وفق الطرق امناسبة‬ ‫هم بامبادئ النظرية الرورية لصاح جتمعهم‪.‬‬ ‫لكن إذا كانت اأولوية اأنطولوجية واإبيستيمولوجية‬ ‫والتارخية هي للفلسفة عى الدين‪ ،‬فا هي طبيعة العاقة‬ ‫بن النبي والفيلسوف عند ابن رشد؟ نستطيع تلمس‬ ‫مامح هذه العاقة ي الصفحات اأخرة من (هافت‬ ‫التهافت)‪ ،‬إذ يقول‪« :‬ولذلك أصدق كل قضية هي أن‬ ‫كل نبي حكيم وليس كل حكيم نبي‪ ،‬ولكنهم العلاء‬ ‫الذين قيل فيهم إهم ورثة اأنبياء»(‪ .)43‬فكل نبي حكيم‬ ‫معرفته بامبادئ النظرية الكلية التي ها صاح الناس وهي‬ ‫اه وامائكة والسعادة والشقاء اأخرويان؛ وهو نبي أنه‬ ‫يضع هذه امبادئ للناس ي صورة عقائد إيانية ويرمز ها‬ ‫بمجازات وأمثال ورموز وخييات مناسبة للجمهور؛‬ ‫وأنه يضع مبادئ الفضائل اخلقية تقليد ًا ا برهان ًا‪ ،‬أن‬ ‫الرهان الوحيد عليها تابع ها وهو ما ينتج عنها من صاح‬ ‫اجتاعي ومنافع وفضائل أخاقية‪ .‬وليس كل حكيم نبي‬ ‫إذ ليس كل الفاسفة قادرين عى استعال امخيلة ي الرمز‬ ‫واإشارة إى مبادئ اموجودات با يناسب فهم اجمهور‪،‬‬ ‫وا عى استعال اخطابة ي نقل ما ترهن ي العلم‬ ‫اليقيني إى اجمهور‪ .‬فهذه هي قدرة النبي وحده‪ .‬لكن‬ ‫هذا ما جعلنا نتوصل إى أن بعض احكاء أنبياء؛ أي أن‬ ‫كل اأنبياء حكاء وبعض احكاء أنبياء‪ .‬فبا أنه ليس كل‬ ‫احكاء أنبياء فإن معنى هذا أن بعض احكاء أنبياء‪ .‬ومن‬ ‫ثم فإن بعض احكاء يمكنهم أن يصلوا إى درجة النبوة‪،‬‬ ‫لكن ا إى النبوة ذاها‪ .‬وهؤاء هم الذين قال عنهم ابن‬ ‫رشد إهم ورثة اأنبياء‪ .‬إهم ورثة اأنبياء ي شأن واحد‬ ‫فقط وهو أنه يمكنهم أن يتولوا بعد اأنبياء قيادة جتمعاهم‬ ‫نحو الفضيلة اأخاقية والصاح ااجتاعي ما لدهم من‬ ‫علم برهاي يقيني‪ ،‬لكن ا باعتبارهم جرد حكاء‪ ،‬بل‬ ‫باعتبارهم حكاء وورثة لأنبياء ي الوقت نفسه‪ .‬يريد ابن‬ ‫رشد أن تكون الفلسفة هي قوام الريعة والق ّيمة عليها‬ ‫وامستمرة ي تعليم اجمهور بعد الريعة وعى منواها‪.‬‬ ‫ولذلك فالرتيب اجديد الذي يمكن أن نستخلصه‬ ‫من ابن رشد هو‪ :‬حكمة قديمة (الكلدانيون) ـ ملل صادرة‬ ‫عنها أو متدهورة منها تؤمن بتعدد اأهة ـ حكمة تامة‬ ‫يقينية برهانية (أرسطو) ـ ملل التوحيد والرائع الساوية ـ‬ ‫عودة احكمة مرة أخرى لتقود اجمهور باأساليب امناسبة‬ ‫للجمهور‪ .‬هذا التصور للرتيب الزمني للفلسفة والدين‬ ‫يتفق مع ما قاله ابن رشد ي "تفسر ما بعد الطبيعة" حول‬ ‫ظهور الفلسفة واختفائها مرات عديدة‪ .‬لكن امرة اأخرة‬ ‫هي بعد ريعة اإسام مع ابن رشد نفسه الذي يمثل آخر‬ ‫التطور التارخي‪.‬‬ ‫‪ .IV‬نظرية توينبي ي نشأة اأديان العامية‬ ‫نظريتي الفاراي وابن رشد‬ ‫كمثال عى صحة‬ ‫ْ‬ ‫احقيقة أن أولوية الفلسفة عى املة والتي رأيناها‬ ‫عند الفاراي وابن رشد‪ ،‬وإن كانت تسر عكس الرتيب‬ ‫امعتاد ي الدراسات احديثة لأديان‪ ،‬وعكس ترتيب‬ ‫مراحل التطور التارخي الذي وجد تعبر ًا دقيق ًا عنه ي‬ ‫نظرية كومت ي امراحل الثاث‪ ،‬فإها تتفق إى حد كبر‬ ‫أشرف منصور‬ ‫مع نظرية توينبي ي النشأة التارخية لأديان وي العاقة‬ ‫بن اأديان والفلسفات‪.‬‬ ‫وضع توينبي نظرية كرى ي التطور التارخي‬ ‫للحضارات يفر ها نشأة وصعود وسقوط وتدهور‬ ‫احضارات اإنسانية الكرى‪ .‬إذ رصد أربع مراحل مر‬ ‫ها كل حضارة‪ :‬امياد والصعود أو النمو‪ ،‬ثم اانكسار‬ ‫مرحلتي امياد‬ ‫أو السقوط‪ ،‬وأخر ًا ااضمحال‪ .‬ي‬ ‫ْ‬ ‫والصعود يشهد جتمع احضارة الناشئة أقلية مبدعة‬ ‫‪ ،Creative Minority‬تنجح ي ااستجابة للتحديات‬ ‫التي جد امجتمع النايء نفسه فيها‪ .‬تتكون هذه اأقلية‬ ‫امبدعة من رائح كثرة‪ ،‬منها احكام وقادة اجيوش‬ ‫وامبدعون ي كل جال با فيهم امفكرون‪ ،‬أي الفاسفة‪.‬‬ ‫وي مرحلة الصعود واازدهار تنجح هذه اأقلية امبدعة‬ ‫ي قيادة جتمعها وي السيطرة عى الطبيعة وي التصدي‬ ‫للعدوان اخارجي؛ والفاسفة ينتمون إى هذه اأقلية‬ ‫امبدعة‪ ،‬والذين يقيمون رؤى فكرية عقانية شاملة للعام‬ ‫ولإنسان ي صورة مذاهب فلسفية كرى تستجيب‬ ‫احتياجات هذا امجتمع العقلية والروحية والعلمية(‪.)44‬‬ ‫وكانت هذه هي الفلسفات القديمة حضارات الرق‬ ‫القديم(‪ ،)45‬ومنها احضارة الكلدانية‪ ،‬وقد رأينا أن ابن‬ ‫رشد يقول عن الكلدانين إن العلم قد اكتمل ي عرهم؛‬ ‫والفلسفة اليونانية ذاها‪ .‬تنجح هذه الفلسفات ي أن تكون‬ ‫أنساق ًا عقانية للخاصة وأشباه أديان للعامة‪ .‬والدليل عى‬ ‫ذلك أن الفيثاغورية كانت فلسفة للخاصة‪ ،‬أما جانبها‬ ‫الروحي واأخاقي فقد كان شبه دين للعامة‪ .‬وكذلك‬ ‫احال بالنسبة لأبيقورية والرواقية واأفاطونية امحدثة‪،‬‬ ‫التي كانت فلسفات للخاصة وحاوات لتأسيس أديان‬ ‫فلسفية ي الوقت نفسه‪ ،‬وذلك قبل ظهور وسيادة امسيحية‬ ‫ي العام اهليني‪ .‬وم تكن فلسفة أفاطون خلو هي اأخرى‬ ‫من طابع روحي ومن عنار شبه دينية‪.‬‬ ‫أما مرحلة انكسار احضارة فهي تأي عندما تفشل‬ ‫اأقلية امبدعة ي أن تستجيب للتحديات اجديدة‪ ،‬داخلية‬ ‫وخارجية‪ .‬ويتمثل التحدي الروحي اجديد ي زيادة‬ ‫احاجة إى ديانة روحية عالية مناسبة للجمهور‪ .‬وعندما‬ ‫تفشل الفلسفات القائمة ي توفر أساس هذه الديانة‪،‬‬ ‫وتعجز عن أن توفر الغذاء الروحي واأمان الوجودي‬ ‫جمهور يعاي اأزمات والكوارث‪ ،‬تنتهي هذه الفلسفات‬ ‫وخي الساحة لأديان الكرى(‪ .)46‬وي مرحلة اضمحال‬ ‫‪135 /‬‬ ‫احضارة تتحول اأقلية امبدعة إى أقلية مسيطرة‬ ‫‪ ،Dominant Minority‬حاول السيطرة عى جتمعها بالقوة‬ ‫وتفرض فلسفاها التي م تعد تستجيب للمطالب الروحية‬ ‫امتزايدة للناس‪ ،‬وهذا ما يؤدي إى مزيد من العداء هذه‬ ‫الفلسفات(‪ .)47‬ومع زيادة اانفصال واانشقاق بن اأقلية‬ ‫امسيطرة واجمهور الذي حول إى بروليتاريا‪ ،‬تظهر أقلية‬ ‫مبدعة أخرى وهم اأنبياء والرسل ومؤسسو اأديان‬ ‫الكرى‪ ،‬لتوفر للروليتاريا دين ًا شام ً‬ ‫ا عامي ًا‪ ،‬نظر ًا لتحول‬ ‫الروليتاريا ي امرحلة امتأخرة من احضارة إى بروليتاريا‬ ‫عامية‪ .‬هذا الدين ينجح بأن يستجيب للمطالب الروحية‬ ‫امتزايدة للناس وبأن يوفر هم الصر والسلوان ي مرحلة‬ ‫اضمحال احضارة وعر الكوارث واأزمات(‪.)48‬‬ ‫وأن الفلسفات القديمة حولت إى رؤى للعام‬ ‫مفروضة بالقوة عى امجتمع ي مرحلة ااضمحال‪،‬‬ ‫حدث بينها وبن الدين اجديد راع طويل‪ ،‬ينتهي دوم ًا‬ ‫بانتصار الدين عن طريق تبني الدولة العامية له حفاظ ًا عى‬ ‫السلم واأمن والتاسك ااجتاعي‪ .‬وهذا هو ما حدث‬ ‫ي اإمراطورية الرومانية البيزنطية عندما تم غلق مدارس‬ ‫الفلسفة ي القرن السادس‪ ،‬وحدث كذلك ي عر الدولة‬ ‫اإسامية عندما مت حاربة الفلسفة والفاسفة‪.‬‬ ‫ثم مر احضارة التي سادت فيها ديانة عامية بمرحلة‬ ‫بيات شتوي طويل‪ ،‬أو مرحلة ترنق حول الدين‪ .‬وهو‬ ‫ما حدث ي العصور الوسطى امسيحية واإسامية مع ًا‪.‬‬ ‫حتى يتم نشوء حضارة جديدة تعيد إحياء الفلسفات‬ ‫القديمة مرة أخرى ي عر هضة‪ .‬وهو ما تم ي فجر‬ ‫احضارة اأوربية احديثة عندما حدث إحياء لأرسطية‬ ‫واأفاطونية ي مواجهة الكنيسة ي عر النهضة‪.‬‬ ‫وعندئذ تظهر حضارة جديدة بفلسفة جديدة مقامة عى‬ ‫إحياء الفلسفات القديمة(‪ .)49‬وناحظ من هذا الرتيب‬ ‫التارخي أنه يتفق إى حد كبر مع رؤية الفاراي وابن رشد‬ ‫للنشأة التارخية لأديان وللعاقة بن الفلسفة والدين‪.‬‬ ‫خامـة‬ ‫اعتمد الفاراي وابن رشد ي إعطائها اأولوية‬ ‫التارخية للفلسفة عى املة عى نظرية فلسفية‪ ،‬ذات أصول‬ ‫أرسطية وأفاطونية حدثة ي حالة الفاراي‪ ،‬وذات أصول‬ ‫أرسطية خالصة عند ابن رشد‪ .‬وكان ما يوجهها ي ذلك‪،‬‬ ‫هو اعتقادما ي أن احقيقة يتم الوصول إليها بالعقل أواً‬ ‫‪136‬‬ ‫قبل أن تتحول إى حقيقة دينية وتنقل إى اجمهور ي‬ ‫خطاب ديني‪ ،‬وأن العقل البري جب عليه أواً أن يصل‬ ‫إى مرحلة من التطور الذهني تتيح له إدراك امبدأ اأول‬ ‫للوجود (لدى الفاسفة بالطبع) قبل أن تعر عنه اأديان‬ ‫بالوحي‪ .‬واحقيقة أن خالفة هذه النظرية للدراسات‬ ‫احديثة ي اأديان ذات الرؤية التطورية اخطية والتي تعتقد‬ ‫ي وقوع اأديان ي مرحلة مبكرة من تاريخ البرية وسابقة‬ ‫عى الفلسفة والعلم‪ ،‬تشكك من صحة هذه الدراسات‪،‬‬ ‫خاصة وأها مدعمة ببعض ااكتشافات احديثة للتقدم‬ ‫العلمي للحضارات القديمة‪ .‬وقد أثبتنا كيف أنه ا يوجد‬ ‫إماع عى مستوى الدراسات التارخية عى الرؤية التطورية‬ ‫اخطية لتاريخ اأديان‪ ،‬واستشهدنا عى ذلك بتوينبي الذي‬ ‫مل رؤية خالفة للعاقة بن الفلسفة والدين تضع الفلسفة‬ ‫ي مرحلة تارخية سابقة عى اأديان‪ ،‬وتنظر إى بعض‬ ‫اأديان عى أها مثل التدهور التارخي لفلسفات قديمة‬ ‫سابقة عليها‪ ،‬وإى بعضها اآخر عى أنه التطور التارخي‬ ‫ِ‬ ‫العام إى امستوى‬ ‫لرؤى فلسفية للعام نقلت من امستوى‬ ‫العامي الشعبي‪ ،‬وهو ما يمثل لدينا إثبات ًا لصحة نظرية‬ ‫الفاراي وابن رشد‪.‬‬ ‫اأ‪T‬سـرف منـ�سو‪Q‬‬ ‫‪L‬امعة الآ‪O‬اب ــ الإ�سكند‪jQ‬ة ‪ -‬م�سر‬ ‫اهوامــش‬ ‫(‪August Comte, The Positive Philosophy of )1‬‬ ‫‪August Comte. Translated by Harriet Martineau. Vol.‬‬ ‫;‪II. (London: George Bell & Sons, 1896), pp. 309 ff‬‬ ‫‪Vol. III, Passim.‬‬ ‫(‪James G. Frazer, The Golden Bough. A Study in )2‬‬ ‫‪Magic and Religion. Abridged edition in 1 volume.‬‬ ‫‪(New York: The Macmillan co., 1925).‬‬ ‫(‪ )3‬الفاراي‪ :‬كتاب آراء أهل امدينة الفاضلة‪ .‬قدم له وعلق‬ ‫عليه د‪ .‬ألبر نري نادر‪ .‬دار امرق‪ ،‬بروت‪ ،‬الطبعة الثامنة‪،‬‬ ‫‪ .2002‬ص ‪.46‬‬ ‫(‪ )4‬الفاراي‪ :‬كتاب السياسة امدنية‪ ،‬املقب بمبادئ‬ ‫اموجودات‪ .‬حققه وقدم له وعلق عليه د‪ .‬فوزي مري نجار‪.‬‬ ‫دار امرق‪،‬بروت‪ .‬الطبعة الثانية ‪ ،1993‬ص ‪.32-31‬‬ ‫(‪ )5‬الفاراي‪ :‬التنبيه عى سبيل السعادة‪ .‬منشور ي "الرسائل‬ ‫الفلسفية الصغرى"‪ .‬حقيق وتقديم أ‪.‬د‪ .‬عبد اأمر اأعسم‪.‬‬ ‫دار التكوين للتأليف والرمة والنر‪ ،‬دمشق ‪ ،2012‬ص‬ ‫‪.307-306‬‬ ‫(‪ )6‬الفاراي‪ :‬كتاب السياسة امدنية‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫(‪ )7‬الفاراي‪ :‬كتاب احروف‪ .‬حققه وقدم له وعلق عليه حسن‬ ‫مهدي‪ .‬دار امرق‪ ،‬بروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1990‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪ )8‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.131‬‬ ‫(‪ )9‬الفاراي‪ :‬كتاب السياسة امدنية‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫(‪ )10‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.78‬‬ ‫(‪ )11‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.77‬‬ ‫(‪ )12‬حول نظرية اإسكندر اأفروديي ي ااتصال بالعقل‬ ‫الفعال وأثرها ي فاسفة اإسام‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪Kessler, Eckhard: “Alexander of Aphrodisias and his‬‬ ‫‪Doctrine of the Soul”. Early Science and Medicine‬‬ ‫‪16 (2011), 1-93.‬‬ ‫ـ انظر أيض ًا‪ :‬حمد امصباحي‪" :‬أبو نر الفاراي ـ البحث‬ ‫عن السعادة ي خوم ما بعد الطبيعة"‪ ،‬بحث منشور ي كتاب‪:‬‬ ‫من امعرفة إى العقل‪ :‬بحوث ي نظرية العقل عند العرب‪.‬‬ ‫دار الطليعة‪ ،‬بروت‪ ،1990 ،‬ص ‪ 31‬وما بعدها؛ حمد‬ ‫امصباحي‪ :‬إشكالية العقل عند ابن رشد‪ .‬امركز الثقاي العري‪،‬‬ ‫بروت ‪ ،1988‬ص ‪.57-56 ،51 ،47 ،35-33 ،26‬‬ ‫(‪ )13‬الفاراي‪ :‬كتاب السياسة امدنية‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫(‪ )14‬أرسطوطاليس‪ :‬ي النفس‪ .‬ترمة إسحق بن حنن‪ .‬مع‬ ‫نصوص أخرى حقيق وتقديم ورح د‪ .‬عبد الرمن بدوي‪.‬‬ ‫وكالة امطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ودارالقلم‪ ،‬بروت‪ .‬الطبعة الثانية‬ ‫‪ .1980‬ص ‪.75-72‬‬ ‫(‪ )15‬أما ما ذكره أرسطو ي كتاب "احاس وامحسوس"‬ ‫عن النبي فهو خص الرؤى واأحام‪ ،‬وينتمي ملكة‬ ‫امخيلة ا العقل امستفاد‪ .‬ابن رشد‪ :‬تلخيص كتاب احاس‬ ‫وامحسوس أرسطو‪ ،‬للقاي أي الوليد ابن رشد‪ .‬منشور ي‪:‬‬ ‫‪137‬‬ ‫أرسطوطاليس‪ :‬ي النفس‪ ،‬ص ‪221‬ـ‪.231‬‬ ‫(‪ )16‬الفاراي‪ :‬كتاب السياسة امدنية‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫(‪ )17‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.80-79‬‬ ‫(‪ )18‬الفاراي‪ :‬كتاب آراء أهل امدينة الفاضلة‪ ،‬ص‬ ‫‪112‬ـ‪.116‬‬ ‫(‪ )19‬الفاراي‪ :‬كتاب السياسة امدنية‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫(‪ )20‬يقول الفاراي ي هذا امعنى‪" :‬فلذلك قد يمكن أن تكون‬ ‫أمم فاضلة ومدن فاضلة ختلف مللهم وإن كانوا كلهم يؤمون‬ ‫سعادة واحدة بعينها‪ .‬فإن املة هي رسوم هذه (السعادة] أو‬ ‫رسوم خيااها ي النفوس‪ ...‬فتُحاكَى هذه اأشياء لكل طائفة‬ ‫وأمة باأشياء التي هي أعرف عندهم‪ .‬وقد يمكن أن يكون‬ ‫اأعرف عند كل واحد منهم غر اأعرف عند اآخر‪ .‬وأكثر‬ ‫الناس الذين يؤمون السعادة إنا يؤموها متخيلة ا متصورة‪...‬‬ ‫والذين يؤمون السعادة متصورة ويقبلون امبادئ وهي متصورة‬ ‫هم احكاء‪ .‬والذين توجد هذه اأشياء ي نفوسهم متخيلة‬ ‫ويتقبلوها ويؤموها عى أها كذلك (متخيلة] هم امؤمنون"‪.‬‬ ‫(السياسة امدنية ص ‪.)86-85‬‬ ‫(‪ )21‬احقيقة أن هذا الرأي للفاراي وإن كان يظهر عى أنه‬ ‫مبالغة ي إعاء شأن أرسطو‪ ،‬إا أن نفس هذه الوجهة ي النظر‬ ‫إى أرسطو باعتباره الفيلسوف الذي وضع أسس العلم اليقيني‬ ‫دفعة واحدة‪ ،‬استمرت حية حتى العر احديث‪ .‬ففي أوج‬ ‫عر التنوير امؤمن بالتقدم والتطور الفكري الراكمي‪ ،‬أعلن‬ ‫كانط ي كتابه "نقد العقل اخالص" أن امنطق ُولد كام ً‬ ‫ا عى‬ ‫يد أرسطو‪ ،‬وم تكن جهود الفاسفة من بعده سوى التوسيع‬ ‫والتدقيق والتفريع‪.‬‬ ‫‪- Kant, Critique of Pure Reason. Translated by‬‬ ‫‪Norman Kemp Smith.(London: Macmillan, 1961), B viii.‬‬ ‫(‪ )22‬هذا التحليل هو ما يمكن استنتاجه ما يقوله الفاراي ي‪:‬‬ ‫السياسة امدنية‪ ،‬ص ‪.81-80‬‬ ‫(‪Kalman Bland, Averroes’ The Epistle On The )23‬‬ ‫‪Possibility Of Conjunction By Ibn Rushd, With The‬‬ ‫‪Commentary of Moses Narboni (A Critical Edition‬‬ ‫‪and Annotated Translation). PhD Dissertation,‬‬ ‫‪Brandeis University, 1972. P. 117.‬‬ ‫(‪ )24‬الفاراي‪ :‬كتاب احروف‪ ،‬ص ‪.131‬‬ ‫(‪ )25‬كان فيلسوف التاريخ توينبي عى وعي هذه اأسبقية‪،‬‬ ‫كا سوف يتضح من اجزء اأخر من هذه الدراسة‪.‬‬ ‫(‪ )26‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪ )27‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.133‬‬ ‫(‪ )28‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.135-134‬‬ ‫(‪ )29‬امرجع السابق‪ :‬ص ‪.154‬‬ ‫(‪ )30‬أسهب ليو شراوس ي دراسة اجانب امستور ي أسلوب‬ ‫الفاراي ي كتابه الشهر‪Strauss, Leo Persecution and:‬‬ ‫‪the Art of Writing. (Chicago & London: The University‬‬ ‫‪of Chicago Press, 1952), pp. 9-21.‬‬ ‫(‪ )31‬ابن رشد‪ :‬فصل امقال ي تقرير ما بن الريعة واحكمة‬ ‫من ااتصال‪ .‬مع مدخل ومقدمة حليلية للمرف عى امروع‬ ‫د‪ .‬حمد عابد اجابري‪ .‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بروت‪،‬‬ ‫الطبعة اأوى ‪ ،1997‬ص ‪.124-123 ،120 ،98 ،96‬‬ ‫(‪ )32‬الفاراي‪ :‬كتاب احروف‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫(‪ )33‬الفاراي‪ :‬كتاب احروف‪ ،‬ص ‪.154‬‬ ‫(‪ )34‬والذي عر عنه ابن خلدون بدقة‪ ،‬عندما حدث عنها‬ ‫واصف ًا حاها ي ديار اإسام ي فصل من امقدمة بعنوان‪:‬‬ ‫"ي إبطال الفلسفة وفساد منتحلها"‪ .‬ابن خلدون‪ :‬امقدمة‪.‬‬ ‫نر خليل شحادة وسهيل زكار‪ .‬دار الفكر للطباعة والنر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬بروت‪ ،2001 ،‬ص ‪.713-707‬‬ ‫(‪ )35‬ابن رشد‪ :‬تفسر ما بعد الطبيعة‪ .‬حقيق ونر موريس‬ ‫بويج‪ .‬دار امرق‪ ،‬امطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بروت ‪ .1967‬امجلد‬ ‫الثالث‪ ،‬ص ‪.1688‬‬ ‫(‪ )36‬امرجع السابق‪ :‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫(‪ )37‬امرجع السابق‪ :‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫(‪ )38‬ابن رشد‪ :‬الروري ي السياسة‪ .‬ختر كتاب السياسة‬ ‫أفاطون‪ .‬نقله عن العرية إى العربية د‪ .‬أمد شحان‪ .‬مقدمة‬ ‫وحليل وروح د‪ .‬حمد عابد اجابري‪ .‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪ ،‬بروت ‪ ،1998‬ص ‪.88-87‬‬ ‫(‪ )39‬موسى بن ميمون‪ :‬دالة احائرين‪ .‬عارضه بأصوله‬ ‫العربية والعرية د‪ .‬حسن أتاي‪ .‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية ‪ ،2008‬ص ‪.112‬‬ ‫(‪ )40‬ابن رشد‪ :‬تفسر ما بعد الطبيعة‪ :‬ص ‪.1690-1689‬‬ ‫(‪ )41‬يقول ابن رشد‪" :‬وجب عليه أن ختار أفضلها ي زمانه‬ ‫وإن كانت كلها عنده حق ًا‪ ،‬وأن يعتقد أن اأفضل ينسخ با هو‬ ‫أفضل منه"؛ أي أن اأديان كلها عند الفيلسوف حقة ومتساوية‬ ‫القيمة واهدف‪" ،‬ولذلك أسلم احكاء الذين كانوا يعلمون‬ ‫الناس باإسكندرية ما وصلتهم ريعة اإسام‪ ،‬وتنر‬ ‫احكاء الذين كانوا بباد الروم ما وصلتهم ريعة عيسى عليه‬ ‫السام‪ ."...‬ابن رشد‪ :‬هافت التهافت‪ .‬حقيق موريس بويج‪.‬‬ ‫دار امرق‪ ،‬بروت‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،2003‬ص ‪.583‬‬ ‫(‪ )42‬ابن رشد‪ :‬هافت التهافت‪ ،‬ص ‪.584-583‬‬ ‫(‪Arnold J. Toynbee, A Study of History. Volume )43‬‬ ‫‪I. (London: Oxford University Press, 1934).‬‬ ‫(‪ )44‬والتي يقال عنها إها كانت أساس الفلسفة اليونانية‪ .‬انظر‬ ‫ي ذلك‪ :‬مارتن برنال‪ :‬أثينا السوداء‪ .‬اجذور اأفروآسيوية‬ ‫للحضارة اإغريقية‪ .‬اجزء اأول‪ :‬تلفيق باد اإغريق‬ ‫‪ .1985-1785‬حرير ومراجعة د‪ .‬أمد عتان‪ .‬ترمة د‪.‬‬ ‫لطفي عبد الوهاب وآخرون‪ .‬امجلس اأعى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.1997‬‬ ‫(‪Toynbee, A Study of History. Volume V, The )45‬‬ ‫‪Disintegrations of Civilizations. (London: Oxford‬‬ ‫‪University Press, 1939), pp. 646ff.‬‬ ‫‪Ibid: pp. 680-683.‬‬ ‫(‪)46‬‬ ‫‪Ibid: pp. 545-553.‬‬ ‫(‪)47‬‬ ‫(‪Ibid: vol. VII, Universal States, Universal )48‬‬ ‫‪Churches, pp.70, 515-516, 541.‬‬ ‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬