127
.
الن�ساأ IالتاQيخية للدين
عند الفاQابي hابن TQسد
أشـرف منـصور
مقدمـة
كانت امأثرة الكرى لفاسفة اإسام حاولة
استيعاب الدين بالعقل .ومن هنا ظهرت حاوات التأويل
العقي للنص الديني والتي جاوزت التأويل امجازي
للمعتزلة ،وكانت أكثر راديكالية منها .ومن بن أهم
نظريات فاسفة اإسام ي استيعاب الظاهرة الدينية
بالعقل ووضع الدين ي إطار عقاي ،أفكار الفاراي
وابن رشد امفرة أصل الدين ولنشأته التارخية .فقد
اتفق الفاراي وابن رشد عى أسبقية العقل عى الوحي،
أنطولوجي ًا وإبيستيمولوجي ًا وتارخي ًا .وكانت هذه
اأسبقية عندما عامة للبرية كلها ،فيا عدا أمة العرب
التي كان الوحي فيها سابق ًا عى نشأة الفلسفة.
إن ما نستفيده من أفكارما حول ترتيب العاقة
امعرفية والتارخية بن الدين والفلسفة هو أها كانا يدافعان
عن أسبقية الفلسفة والتفكر الفلسفي عى الدين والتفكر
الديني ،كل وفق مذهبه الفلسفي اخاص؛ وهو ما يمثل
اجاه ًا معاكس ًا مام ًا لاجاهات اأنثروبولوجية والثقافية
والسوسيولوجية احديثة التي وضعت الدين والتفكر
الديني ي مرحلة سابقة عى نشأة الفلسفة؛ وموقف ًا أكثر
راديكالية من كل النظريات التي تبنت الرتيب امعاكس.
تركز هذه الدراسة عى رصد كيفية وضع الفاراي
وابن رشد للراتب اأنطولوجي وامعري والتارخي
للفلسفة والدين .فعى مستوى الراتب اأنطولوجي بن
الفلسفة والدين ،أو العقل والوحي ،تنص الرؤية الفيضية
للكون عند الفاراي عى أن العقل هو أول كيان يصدر
عن الواحد ،أو اإله ،وبالتاي فإن له اأولوية امطلقة عى
ظاهرة الوحي التي هي عنده فيض من العقل الفعال عى
خيلة النبي .وعى امستوى اإبيستيمولوجي فإن العقل
عند الفاراي حتل امكانة العليا ،تليه امخيلة وأخر ًا احس.
فكان من الطبيعي لديه أن ينظر إى امعرفة العقلية عى
أها أعى من التفكر الديني امستخدم للمخيلة .وأما عى
امستوى التارخي فإن الدين متأخر عى الفلسفة زماني ًا،
أن الدين لديه يع ِلم اجمهور بالطرق اخطابية ما توصلت
إليه الفلسفة بالطرق الرهانية.
أما ابن رشد فقد اتفق مع الفاراي ي تبني اأولوية
اأنطولوجية واإبيستيمولوجية والتارخية للفلسفة عى
الدين ،لكنه خالفه ي اإطار الذي وضع فيه هذه اأولوية
والذي كان الرؤية الفيضية للكون عند الفاراي وامتأثرة
باأفاطونية امحدثة .وي امقابل مسك ابن رشد بإطار
أرسطي يضع فيه أولوية العقل عى الوحي .فعى امستوى
اأنطولوجي فإن اإله عند ابن رشد عقل حض ،فاعل
للنظام والرتيب الذي ي الطبيعة .وبالتاي ،فإن الوحي
عنده جرد وسيلة إجاد نظام وترتيب ي ااجتاع البري.
ولذلك فإن الوحي عنده ليس ظاهرة عجائبية فوق
طبيعية ،وكل الفرق بينه وبن العقل هو الطرق اخطابية
والشعرية التي يستخدمها النص الديني مع اجمهور
مراعاة أفهامهم .وعى مستوى اأولوية التارخية للعقل
عى الوحي ،ذكر ابن رشد ي (تفسر ما بعد الطبيعة) وي
(تلخيص الساء والعام) ،وي رسالته (ي إمكان ااتصال
بالعقل الفعال) أن العلم ظهر أواً ي احضارات القديمة
ثم اختفى ،وم يبق منه إا بعض الرموز واأمثال التي
كانت مستخدمة لتعليم اجمهور آنذاك ،وظلت هذه
احكايات الرمزية منترة بن اجمهور ي كل أمة وظهرت
ي نصوصها الدينية .أما اجديد الذي أتى به ابن رشد فهو
128
أولوية سياسية للفلسفة عى الدين .ففي رحه جمهورية
أفاطون ،ذهب ابن رشد إى أن واضع كل ريعة ي حاجة
إى اأسلوب الديني ي التفكر كوسيلة مخاطبة اجمهور
وأداة لتنظيمه وصاحه .وبالتاي فإن الطريقة اأصلح ي
تنظيم وحكم جتمع من العامة هي الطريقة الدينية حسب
ما توصل إليه العقل نفسه.
ومن هنا نرى أن الراتب التارخي بن الفلسفة
والدين عند الفاراي وابن رشد قائم عى نظرية ي امعرفة
تعطي اأولوية للعقل عى الوحي ،ذات أصول أفاطونية
حدثة عند الفاراي ،وذات أصول أرسطية عند ابن رشد.
وعى الرغم من اختاف اأصول إا أن النتيجة لدها
واحدة ،وهي فلسفة ي ااجتاع السياي جعل الديني
ُمستو َعب ًا بالكامل ي امدي.
وبذلك تنقسم هذه الدراسة إى أربعة أجزاء .ي اجزء
اأول أعرض للرؤية التطورية اخطية لتاريخ اأديان والتي
بدأت بسوسيولوجيا كومت التي وضعت الدين ي مرحلة
سابقة عى الفلسفة ،وذلك مهيد ًا لتوضيح خالفة الفاراي
وابن رشد هذه الرؤية .وي اجزء الثاي أهدف توضيح
اأولويتن اأنطولوجية واإبيستيمولوجية للفلسفة عى
املة لدى الفاراي ،واللتان نتجتا ي أولوية تارخية ،أو بتعبر
الفاراي ،سبق الفلسفة عى املة بالزمان .وي اجزء الثالث
أثبت أن إشارات ابن رشد إى اكتال العلم لدى اأمم
القديمة الغابرة ثم حول هذا العلم إى مثاات وحاكيات
وخييات لدى أصحاب اأديان التالية ،جد اأساس
النظري له ي فلسفة الفاراي ي الدين .وكذلك جد ابن رشد
أساس إثبات عدم تعارض الفلسفة والدين ي كتابه (فصل
امقال) ،مع التمييز بن خطاب الدين وخطاب الفلسفة ،من
الفاري أيض ًا .وي اجزء الرابع أوضح أن هذا الرتيب الذي
يعطي اأسبقية التارخية للفلسفة عى املة ،وعى الرغم من
أنه يقدم لنا ترتيب ًا خالف ًا للرتيب امعتاد بينها ي الدراسات
احديثة والذي يرجع بأصله إى عر التنوير اأوروي،
إا أن ما يؤكد لدينا صحة هذا الرتيب هو دراسة توينبي
للتاريخ ،والتي اكتشفت السبب ي اأسبقية التارخية
للفلسفة عى اأديان الكرى.
.Iاموقع التارخي للدين ي الدراسات احديثة
ترسم الدراسات احديثة لأديان صورة خطية
تضع فيها اأديان عى متصل تطوري مستقيم ،تبدأ فيه
البرية باأسطورة والسحر واخرافات ،ثم تتحول إى
الرؤى الدينية للعام والتي تبدأ تعددية وتنتهي توحيدية،
وبعد امرحلة الدينية تأي امرحلة اميتافيزيقية التي مثلها
الفلسفة ،وأخر ًا تأي مرحلة العلم ي العر احديث.
تدين هذه الرؤية اخطية التطورية موقع اأديان ي التاريخ
البري بأصوها اأوى لعر التنوير (فولتر ،ديدرو،
كوندرسيه ،كوندياك ،عى سبيل امثال)؛ ثم استمرت
امدرسة التارخية اأمانية ي نفس هذا التوجه وعى رأسها
هردر وهيغل .ووجدت هذه الرؤية صياغة أكثر انضباط ًا
ي نظرية أوجست كومت ي امراحل الثاث( ،)2امرحلة
الاهوتية أو الدينية ،وامرحلة اميتافيزيقية أو الفلسفية،
وأخر ًا امرحلة الوضعية أو العلمية؛ وكذلك نظرية جيمز
فريزر ي كتابه (الغصن الذهبي)( ،)3وماكس فير ي نظريته
ي السلطة والكارزما.
لكن احقيقة أن هذه النظرية مصابة بعيوب كثرة.
منها أها ا تستطيع تفسر التقدم العلمي اهائل الذي
وصلت إليه احضارات القديمة والذي سمح ها ببناء
اأبنية العماقة مثل اأهرامات وامعابد امرية وفن
التحنيط امري والتقدم ي امجاات الطبية واهندسية
آنذاك؛ إذ تكشف اإنجازات امعارية للحضارات القديمة
عن درجة عالية من التطور العلمي والتقني ا يتناسب
أبد ًا مع ما تصورته الدراسات احديثة لأديان من مستوى
بدائي للذهنية وللديانة .كا أن ااجاه التطوري اخطي هذه
النظريات ا يستطيع تفسر ظاهرة التدهور التارخي لأديان
والعقليات والذي تتحول فيه العقائد إى شعوذة ويتحول
من خاله العلم إى سحر .وهي أيض ًا عاجزة أمام تفسر
حقيقة سبق ظهور الفلسفات العقانية اليونانية لأديان
الكرى؛ إذ أن هذه احقيقة تنهار أمامها نظرية كومت ي
امراحل الثاث ،وكل النظريات التي وضعت الفلسفة ي
مرحلة تالية عى الدين؛ فالذي حدث بالفعل أن فاسفة
اليونان قد سبقوا امسيحية واإسام ،ما يقدح ي صحة
ااجاه التطوري اخطي الذي يضع اأديان قبل الفلسفة.
واحقيقة أن النظرية الوحيدة ي تراثنا الفلسفي والتي
انتبهت إى هذه احقيقة ،وهي أسبقية الفلسفة عى اأديان
تارخي ًا ،هي نظرية الفاراي التي اتضحت ي كتبه (كتاب
احروف) ،و(كتاب املة) ،و(السياسة امدنية) ،و(آراء أهل
امدينة الفاضلة)؛ وهي نفس النظرية التي تبناها ابن رشد
وظهرت لديه ي الكثر من أعاله.
أشرف منصور
.IIأولوية الفلسفة عى املة عند الفاراي
تتضح اأولوية النظرية للفلسفة عى املة عند
الفاراي ،بجانب اأولوية العملية ،ي رؤيته اأنطولوجية
للوجود .فاموجود اأول عقل( ،)4وأول موجود يصدر عنه
هو عقل أيض ًا .وآخر العقول الفائضة عن العقل اأول هو
العقل الفعال ،امدبر لعام ما دون فلك القمر()5؛ ومن هذا
العقل الفعال يأي الوحي لأنبياء .ومعنى هذا أن للعقول
امفارقة اأولوية اأنطولوجية امطلقة عى الوحي ،أن
الوحي يتم من عقل إى عقل ،من العقل اأول إى العقل
الفعال إى عقل النبي ،وأخر ًا من عقل النبي إى خيلته .ذلك
أن امخيلة حتل امرتبة اأدنى ي املكات امعرفية لإنسان.
و«السعادة عند الفاراي يتم تعقلها أواً بالعقل
النظري»( ،)6ثم تدرك القوة العملية متطلبات هذه السعادة
ذات اجوهر العقي كي تتحقق عملي ًا .أما القوة النزوعية فهي
التي تشتاق إى هذه السعادة وتشكل الدافع اإرادي لسعي
اإنسان نحوها .وأما القوة امتخيلة فهي قوة مساعدة ،وبتعبر
الفاراي هي قوة تابعة ومنقادة للقوى السابقة عليها( .)7هذا
الرتيب اأنطولوجي لكيفية حصول السعادة لإنسان يوازيه
ترتيب اجتاعي سياي وتارخي .الرتيب ااجتاعي السياي
تكون فيه اأولوية لصاحب العقل الكامل وهو الفيلسوف،
وهو الذي يدرك السعادة احقة بعقله ،ثم النبي الذي يدركها
بعقله وخيلته مع ًا ،ثم اجمهور الذي ا يستطيع إدراك السعادة
إا بامخيلة؛ أي بإدراكه أمثال وحاكيات السعادة بالصور
احسية( .)8وأما الرتيب التارخي إدراك السعادة فهو اآخر
يتبع الرتيب اأنطولوجي للموجودات ،حيث تظهر الفلسفة
أواً وبإطاق ي تاريخ البرية ،وتتلوها املة( .)9وجد الفاراي
مرر ًا لتأخر املة عن الفلسفة ي عدم استعداد كل الناس
إدراك السعادة العقلية احقة التي يدركها الفيلسوف وحده،
ولذلك وجب عى الفيلسوف أن يمثل للناس هذه السعادة
با حاكيها وبا يمكن أن يتخيلوه ،وذلك نظر ًا لعدم اكتال
القوة العقلية عند العامة .وي ذلك يقول« :وليس كل إنسان
ُيف َطر ُمعد ًا لقبول امعقوات اأول ،أن أشخاص اإنسان
حدث بالطبع عى قوى متفاضلة وعى توطئات متفاوتة»()10؛
و«أجل ما قيل ي اختاف الفطر ي أشخاص اإنسان ،فليس
ي فطرة كل إنسان أن يعلم من تلقاء نفسه السعادة وا اأشياء
التي ينبغي أن يعملها ،بل حتاج ي ذلك إى معلم ومرشد
[ ]...وعى هذا أكثر الناس.)11(»...
وأن ااجتاعات امدنية ي حاجة إى سلطة ،ها
129 /
ينقاد الناس ،فإن الفاراي يقيم تراتب ًا سلطوي ًا ي الرئاسة
عى أساس الراتب الوجودي اأنطولوجي للموجودات،
والراتب امعري للملكات العقلية .فالرئيس اأعى هو
الفيلسوف بفضل ما حوز عليه من كال عقي ،يؤهله أن
يكون معل ًا ومرشد ًا ،ومن ثم قائد ًا وحاك ًا ،من دونه ي
ااستعدادات واملكات العقلية« :فإن الذي له قدرة
عى ااستنباط ي جنس ما ،رئيس من ليس له قدرة عى
استنباط ما ي ذلك اجنس .ومن له القدرة عى استنباط
أشياء أكثر ،رئيس عى من إنا له القدرة عى استنباط أشياء
أقل»( .)12ما يعني أن من له القدرة عى ااستنباط ي كل
اأشياء وكل اأجناس هو الرئيس اأعى امطلق وهو
الفيلسوف .وي ذلك يتفق الفاراي مع أفاطون ي حاورة
اجمهورية .فاحاكم احق هو الفيلسوف ا أحد غره.
ثم نفاجأ بأن الفاراي يوحد بن الفيلسوف والنبي
ويضعها ي مرتبة واحدة ،أو باأحرى يقيم اهوية التامة
بينها .ذلك أن ما يقوله ي الرئيس اأول عى اإطاق
ينطبق عى الفيلسوف والنبي مع ًا ،إذ أن ما جعل الفيلسوف
فيلسوف ًا والنبي نبي ًا هو القدرة عى ااتصال بالعقل
الفعال .وهذه القدرة تتحقق عندما بعد استكال العقل
امستفاد ،القادر عى ااتصال بالعقل الفعال .والدليل عى
صحة حليلنا هذا ،أن الفاراي يعتمد عى تشخيص راح
أرسطو اليونان مثل اإسكندر اأفروديي وثامسطيوس
لكيفية اتصال الفيلسوف بالعقل الفعال ،وينظر إى هذا
التشخيص عى أنه هو نفسه طريق اتصال النبي بالوحي(.)13
فالفيلسوف حسب تأويات هؤاء الراح ،وتأويات
الفاراي نفسه أرسطو ،هو امتصل مبارة بالعقل الفعال
دون واسطة .ويعر الفاراي عن ذلك بقوله« :وإنا يبلغ
[الفيلسوف] ذلك بأن حصل له أواً العقل امنفعل ،ثم أن
حصل له بعد ذلك العقل الذي يسمى مستفاد ًا .فبحصول
امستفاد يكون ااتصال بالعقل الفعال عى ما ذكر
[أرسطو] ي كتاب النفس»( .)14احقيقة أن أرسطو قد أشار
بالفعل ي كتاب النفس إى هذه الكيفية ي ااتصال بالعقل
الفعال عن طريق استكال العقل امستفاد( ،)15لكنه م يذكر
أبد ًا أي شئ ي هذا السياق عن هوية القائم هذا ااتصال
وا ما إذا كان فيلسوف ًا أم نبي ًا أم ااثنن مع ًا()16؛ إذ أن كل
ذلك من توظيف الفاراي للنص اأرسطي كي يناسب
أهدافه .ويتضح وجه توظيف الفاراي للنظرية اأرسطية
ي ااتصال بالعقل الفعال ناحية نظريته ي التوحيد بن
130
الفيلسوف والنبي ي قوله« :هذا اإنسان هو املك ي
احقيقة عند القدماء ،وهو الذي ينبغي أن يقال فيه إنه
يوحى إليه .فإن اإنسان إنا يوحى إليه إذا بلغ هذه الرتبة،
وذلك إذا م يبق بينه وبن العقل الفعال واسطة»( .)17إذ أن
انتفاء الواسطة بن العقل امستفاد والعقل الفعال جعل
ااتصال بينها فيض ًا من الفعال إى امستفاد .واماحظ أن
طريق وصول اإنسان إى رتبة الفيلسوف وإى رتبة النبي
هو طريق واحد وهو استكال العقل امستفاد ،وأن وسيلة
ااتصال واحدة وهي هذا العقل امستفاد أيض ًا ،وأن طريقة
ااتصال واحدة ،وهي فيض العقل الفعال عى العقل
امستفاد ،والذي يقول عنه الفاراي« :فهذه اإفاضة الكائنة
من العقل الفعال إى العقل امنفعل بأن يتوسط بينها العقل
امستفاد [هي] الوحي [ ]...ورئاسة هذا اإنسان هي
الرئاسة اأوى ،وسائر الرئاسات اإنسانية متأخرة عن
هذه وكائنة عنها»( .)18والواضح من هذا النص أن طريق
ااتصال بالعقل الفعال واحد لدى الفيلسوف ولدى
النبي ،ما يعني أن الفيلسوف يوحى إليه أيض ًا؛ لكن مع
فارق هام ،وهو أن الفيلسوف يفيض عليه العقل الفعال
بامعقوات اأزلية فقط ،أما النبي فإن الذي يفيض عى
عقله هو هذه امعقوات ،ويزيد عى الفيلسوف أن الفيض
يكون عى خيلته أيض ًا باأمور اجزئية التي هي اأحداث
امستقبلة والتدبرات العملية اخاصة ،باأمثال والصور
احسية والرموز وامحاكيات امناسبة لتمثيل مبادئ
اموجودات للجمهور(.)19
لكن ما كانت كل امدن اإنسانية أغلبها من العامة
الذين ا يقدرون عى تعقل السعادة احقة والرئاسة احقة
والفضيلة احقة ،كان من الروري لصاح هذه امدن
أن ُم َثل هم هذه اأمور بأشياء حاكيها حتى يسهل عى
أذهاهم خيلها« :وأكثر الناس ا قدرة هم إما بالفطرة وإما
بالعادة عى تفهم تلك وتصورها .فأولئك ينبغي أن ُخ َيل
إليهم مبادئ اموجودات ومراتبها والعقل الفعال والرئاسة
اأوى كيف تكون بأشياء حاكيها [ ]...ولذلك أمكن أن
حاكى هذه اأشياء لكل طائفة ولكل أمة بغر اأمور التي
حاكى به للطائفة اأخرى أو لأمة اأخرى»( .)20وهذا
هو سبب اختاف اأديان؛ إذ هو تابع اختاف اأمم ي
طرق خيل السعادة .ذلك أن تعقل السعادة واحد ،أما
خيلها فيختلف حسب أذهان وعقليات كل أمة .ما يعني أن
اأديان وإن كانت ختلف ي الشكل وي اأمور التي مثلت
ها السعادة والشقاء ومبادئ وترتيب اموجودات ،فإها
واحدة ي اجوهر .وإذا كانت الفلسفة احقة واحدة لكوها
تعتمد عى تعقل واحد معقوات واحدة ،فإن املل ختلف
اختاف مثيات هذه امعقوات من أمة إى أخرى(.)21
هذا الراتب الذي يعطي اأولوية امطلقة للفلسفة
عى املة يناظره تراتب تارخي بينها ،يرزه الفاراي ي
كتاب (احروف) .إذ نستخلص من نظريته ي هذا الكتاب
أن الفلسفة احقة إذا كانت ازمانية ومتجاوزة للتاريخ،
فإن اأديان هي التي تتصف بالتارخية ،نظر ًا أن اأمم
امختلفة أمم تارخية ي اأساس .وي تصور الفاراي فإن
الفلسفة الرهانية اليقينية ُولدت كاملة ودفعة واحدة عى
يد أرسطو امعلم اأول ،وذلك أها اتارخية ي اأساس،
فو ِجدَ ت
ولذلك م تعرف التطور التارخي( .)22أما اأديان ُ
تالية لبعضها البعض .وهذا هو السبب ي نسخ الرائع
لبعضها البعض ،حسب ترتيب اأفضل واأنسب منها،
ووفق درجات تطور اأمم( .)23إذ أن هناك أمة سبقت
الفلسفة فيها ظهور املة ،وهي أمة اليونان حسب الفاراي،
ً
خطأ أهم
وأمة الكلدانين حسب ابن رشد الذي اعتقد
سكنوا مر( .)24وهناك أمة أخرى سبقت فيها املة ظهور
الفلسفة وهي أمة العرب ،وذلك حسب درجة تطورهم
العقي والتارخي .ولذلك فإن أسبقية املة عى الفلسفة
عند العرب ليست أسبقية مطلقة بل أسبقية تابعة مستواهم
احضاري ودرجة تطورهم العقي.
ونشهد هنا الفاراي وهو ُيدخل النسبية التي تراعي
اختاف اأمم ي ترتيبه للعاقة بن الفلسفة واملة ،ي
مقابل النزعة الشمولية ي الرؤية التارخية لأديان والتي
حاول وضع إطار واحد فقط لظهور كل اأديان يستوعب
اإنسانية كلها .لكن هذه النسبية التارخية م منع الفاراي
من أن يعطي اأولوية امطلقة للفلسفة عى املة إذا كانت
الفلسفة إنسانية عامة واملة أيض ًا إنسانية عامة .إذ نجد
اأولوية امطلقة للفلسفة عى املة ي كتاب الفاراي
(احروف) ،وخاصة ي الباب امعنون (حدوث األفاظ
والفلسفة واملة) .يذهب الفاراي إى أن الفلسفة متقدمة
بإطاق عى املة حتى لو كانت هذه الفلسفة مظنونة أو
موهة .يقول الفاراي« :وما كان سبيل الراهن أن ُيشعر
ها بعد هذه» ،أي بعد اخطابة واجدل والسفسطة« ،لزم
أن تكون القوى اجدلية والسوفسطائية والفلسفة امظنونة
أو الفلسفة امموهة تقدمت بالزمان الفلسفة اليقينية ،وهي
أشرف منصور
الرهانية»( .)25أما املة فإذا كانت إنسانية عامة ،أي لكل
البر ا خاصة بأمة معينة ،فهي متأخرة بالزمان عن الفلسفة
اليقينية .يقصد الفاراي بذلك أن اأديان الساوية الكرى
تالية ي الظهور عى الفلسفات الكرى()26؛ وأن املة يمكن
أن تسبق الفلسفة إذا م تكن إنسانية عامة ،أي إذا كانت
خاصة بأمة من اأمم دون غرها وقارة عليها .وهذا هو
حال اأديان البدائية .أما اأديان الكرى ،فأها متوجهة
لكل البر فهي تعتمد عى درجة التطور امعري للبرية
ككل ،وبالتاي تكون تابعة لفلسفة برهانية يقينية .ويعر
الفاراي عن هذه النظرية بقوله ]...[« :فالفلسفة باجملة
تتقدم املة عى مثال ما يتقدم بالزمان امستعمل اآات
اآات»( .)27املة إذن هي آلة للفلسفة ،لكوها تستخدم
ي تعليم اجمهور اأمور النظرية امرهن عليها ي الفلسفة
التمثيات والتخييات .فاملة آلة للفلسفة هذا امعنى.
وما كانت اأسبقية الزمانية للفلسفة الرهانية
اليقينية عى املة اإنسانية العامة ،وما كانت اأولوية
اإبيستيمولوجية ها أيض ًا حسب التطور امعري ،فإن
الفيلسوف هو من اخاصة بإطاق« :فاخواص عى
اإطاق إذن هم الفاسفة [ ]...وسائر من يعد من
اخواص إنا يعد منهم أن فيهم شبه ًا بالفاسفة»(.)28
لكن اماحظ أن الفاراي يعرف بأسبقية العوام
واجمهور عى اخواص ،ي كل أمة وبإطاق لدى كل
اإنسانية .فكيف إذن يعطي اأولوية للفلسفة عى املة وقد
اعرف بأسبقية العوام عى اخواص؟ احقيقة أن أسبقية
العوام واجمهور عى اخواص ي الزمان ا جعل املة التي
هي للجمهور أسبق من الفلسفة بالزمان إذا كانت هذه
الفلسفة هي الرهانية اليقينية وإذا كانت املة إنسانية عامة.
ذلك أن املة التي تنشأ ي العوام واجمهور أواً ليست
هي املة اإنسانية العامة ،بل املة اخاصة بجمهور خاص
وبأمة خاصة .ولذلك تكون هذه املة منطبعة بطباع هذه
اأمة اخاصة من حدودية وجزئية .ولذلك نرى الفاراي
يقول عن العوام الذين ي اأمة اخاصة« :فإهم يكونون ي
مسكن وبلد حدود ،و ُيف َطرون عى صور ِو َخلق ي أبداهم
حدودة ،وتكون أبداهم عى كيفية وأمزجة حدودة ،وتكون
أنفسهم معدة ومسددة نحو معارف وتصورات وخيات
بمقادير حدودة ي الكمية والكيفية .)29(»...هذا هو
اجمهور اخاص بأمة خاصة حدودة ،جزئية ومغلقة داخل
حيطها اجغراي الطبيعي ،وهو ليس اجمهور بإطاق.
131 /
وحدودية هؤاء هي السبب ي حدودية وجزئية مل]َهم
اخاصة .وربا انطبق هذا التحليل عى اأمة اليهودية،
وربا كان الفاراي يقصد بعد ذلك هذه اأمة عندما ذهب
إى أن املة يمكن أن تنتقل إى أمة بدون ملة سابقة من أمة
صاحبة هذه املة بعد أن يتم تصحيحها والزيادة عليها أو
النقصان منها و ُغرت تغير ًا آخر( .)30فهذه هي أمة العرب
التي صحح ها اإسام حدودية الديانة اليهودية.
وناحظ ي نص الفاراي أنه يتحدث عن الفلسفة
واملة بإهام وتعميم وا يذكر أبد ًا أديان ًا بأسائها .وربا
كان الداعي إى ذلك هو التخفي ،ما جعل هذا اجانب من
نص كتاب احروف مستور ًا( ،)31خصص ًا للخاصة وحدهم
الذين يستطيعون فك شفرته وجاوز إهامه .وبذلك
تكون اليهودية ملة خاصة حدودة بحدود اأمة اليهودية؛
واليهود يعرفون بحرية ديانتهم واقتصارها عليهم،
وينكرون كوها عامة كلية للبرية .وتكون اأديان البدائية
كلها فاسدة حسب كام الفاراي السابق لكوها حدودة
بحدود جتمعاها وغر قائمة عى فلسفة برهانية .لكن هل
معنى هذا أن اإسام باعتباره ملة صاحة قائم عى فلسفة
أرسطو التي هي الفلسفة الرهانية اليقينية؟ ربا كان هذا
هو قصد الفاراي .لكن كيف يكون اإسام قائ ًا عى
ُقرب
فلسفة أرسطو؟ إن هذا ا يعقل أبد ًا .لكننا يمكن أن ن ِ
امعنى الذي قصده الفاري بقولنا إن مقصوده كان القول إن
اإسام متفق وغر خالف للفلسفة الرهانية اليقينية .فلا
كانت ملة اإسام هي ملة التوحيد ،وما كان القرآن قد
استدل عى أن للعام خالق ًا مدبر ًا ما ي هذا العام من نظام
وترتيب مسددان نحو غاية واحدة وهي حفظ الوجود
اإنساي ،فإن اإسام يتفق مع الفلسفة الرهانية اليقينية
التي سبق وأن دللت عى نفس هذه امبادئ .وبذلك تكون
الفلسفة الرهانية [فلسفة أرسطو] أسبق بالزمان عى
اإسام .واحقيقة أن ابن رشد هو الذي توسع ي هذه
الفكرة ،وخاصة ي كتابه (فصل امقال) عندما أوضح أن
العاقة بن الريعة واحكمة هي عاقة اتصال( .)32وجب
علينا أن نفهم هذا ااتصال عى طريقة ومنهج الفاراي،
بمعنى أن الريعة واحكمة يقعان عى متصل تارخي
واحد وإن كانت احكمة أسبق بالزمان عى الريعة ،لكن
ما بينها من مبادئ نظرية واحدة جعلها متصلن كا ولو
كانا عى خط واحد ،حتل كل منها فيه موقعه اخاص به.
وبذلك يكون ابن رشد هو امحقق لفكرة الفاراي ي تأسس
132
املة الفاضلة عى فلسفة يقينية.
والسبب الذي جعل املة تابعة للفلسفة وتالية عليها
لدى الفاراي هو نظريته ي الراتب امعرى التطوري الذي
يذكرنا بـ هيغل وبياجيه ،ومن قبلها كوندرسيه وكوندياك.
لكن ي حن أن نظريات التطور امعري لدى هؤاء جعلتهم
ينظرون إى الفلسفة والتفكر العقاي عى أها مثل مرحلة
تالية عى اأديان ،ما خالف الرتيب التارخي احقيقي
بينها ـ ذلك أن الفلسفة اليونانية قد ظهرت قبل امسيحية
واإسام ـ فإن الفاراي ير عى الرتيب امعاكس وينظر
إى اأديان التوحيدية عى أها تفرض مرحلة متطورة من
الفكر العقاي .فحسب الفاراي فإن احاجة إى املة تظهر
بعد اكتال الصنائع العملية ثم النظرية ،أي بعد اكتشاف
اإنسانية للحقيقة بالعقل أواً ،ثم نقل اأديان هذه
احقيقة إى اجمهور باأساليب امناسبة للجمهور .يقول
الفاراي« :ومن بعد هذه كلها» ،أي بعد استكال الصنائع
«حتاج إى وضع النواميس» ،أي اأديان
العملية والنظريةُ ،
والرائع الدينية ،و«تعليم اجمهور ما قد اس ُتنْبط و ُفرغ
وص ِحح بالراهن من اأمور النظرية ،وما اس ُتنْبط
منه ُ
بقوة التعقل من اأمور العملية» .واأديان تعلم اجمهور
باأساليب اخطابية ما قد توصل إليه العقل باأساليب
الرهانية .و«صناعة وضع النواميس فهي بااقتدار عى
جودة خييل ما عر عى اجمهور تصوره من امعقوات
النظرية»؛ وهذا هو أساس التأويل الذي يرجع بالتمثيات
الرمزية وامجازية إى أساسها وأصلها العقي ،وبذلك
يكتسب التأويل معناه اأصي وهو الرجوع بالشئ إى
أوله ،أي أصله ،وأصل امجاز والرمز وامثال هو خييل ما
هو عقي بأمور حسية؛ و«عى جودة استنباط شئ شئ من
اأفعال امدنية النافعة ي بلوغ السعادة ،وعى جودة اإقناع
ي اأمور النظرية والعملية التي سبيلها أن ُيع َلمها اجمهور
بجميع طرق اإقناع»( ،)33وهذا هو أصل قول ابن رشد ي
(فصل امقال) إن الرع استخدم كل طرق اإقناع حض
العامة عى اإيان باه .إن ظهور أرسطو قبل امسيح وحمد
يكسب نظرية الفاراي قوة ووجاهة عى الرغم من خالفتها
للدراسات احديثة لأديان والتي تضعها ي مرحلة مبكرة
من التطور امعري لإنسان.
أما عن أمة العرب فإن الفاراي يرصد عاقة الفلسفة
واملة ها ي قوله« :وأما إن نُقلت املة من أمة كانت ها تلك
املة» ،أي بني إرائيل«،إى أمة م تكن ها ملة» ،أي أمة
العرب« ،أو ُأخذت ملة كانت أمة فأصلحت فزيد عليها
فجعلت أمة أخرى
أو نُقص منها ،أو ُغرت تغير ًا آخر ُ
ُفأدبوا ها و ُعلموها و ُدبروا ها ،أمكن أن حدث املة فيهم
قبل الفلسفة وقبل أن حصل اجدل والسوفسطائية»(.)34
فعى الرغم من أن الفاراي قد أعطى اأولوية امطلقة
للفلسفة عى املة وأكد عى أسبقيتها بالزمان ،إا أنه كان
عى وعي بحال أمة العرب التي م تعرف هذه اأسبقية بل
كان الرتيب التارخي عندها معاكس ًا ،إذ ظهرت فيها املة
قبل أن تظهر الفلسفة .ذلك أن الفلسفة ي أمة العرب
منقولة من أمة سابقة هي اليونان .وكذلك املة منقولة
إليها من أمة سابقة هي بني إرائيل بعد أن ُصححت
ونُقص منها وزيد عليها و ُغرت .وأن املة ي أمة العرب
كانت سابقة عى الفلسفة ،فإن هذا هو ما أدى إى نشوب
اخاف بينها ،نظر ًا لتمكن املة فيهم قبل أن تتمكن
الفلسفة ،ونظر ًا أن الفلسفة فيهم كانت منقولة إليهم من
أمة أخرى وم تكن نابعة منهم ،فنظروا بذلك إليها عى أها
غريبة عنهم وعاندوها .ومعنى هذا ي التحليل اأخر
أن الفلسفة أسبق بالزمان عى املة عى مستوى التطور
التارخي وامعري للبرية ،لكن املة أسبق عى الفلسفة
بالزمان ي حالة أمة العرب وحدها .لكن هذا ااستثناء
الذي مثله أمة العرب ليس هدم ًا لقاعدة أسبقية الفلسفة
عى املة بالزمان ،بل يعر وحسب عن خصوصية التطور
التارخي أمة العرب وحسب وعن استثنائية هذا التطور.
تلك اخصوصية وهذه ااستثنائية هي التي أدت ي نظر
الفاراي إى الراع بن املة والفلسفة ي ديار اإسام.
فلو كان التطور التارخي عند العرب قياسي ًا ،أي لو كانت
الفلسفة قد ظهرت فيهم تلقائي ًا وقبل املة ودون أن تُنقل
من أمة أخرى ،ما حدث العناد الذي حدث عنه بينها ،وما
كان الراع بينها كا حدث بالفعل .فاستثنائية التطور
التارخي والعقي العري هي السبب ي امصر امؤسف
للفلسفة ي التاريخ اإسامي(.)35
.IIIأسبقية الفلسفة عى املة عند ابن رشد
وإذا حولنا إى ابن رشد ،نراه قد مل فكرة تكاد تكون
متطابقة مع فكرة الفاراي عن العاقة الراتبية التارخية بن
الفلسفة واملة ،إذ هو يعطي اأولوية للفلسفة مام ًا كا فعل
الفاراي .لكن ي حن أن الفاراي كان يتعمد اإهام وعدم
التريح ،فإن ابن رشد كان أكثر جرأة منه ي التريح بأن
أشرف منصور
الفلسفة الرهانية قد اكتملت قبل ظهور اأديان ،وذلك ي
أربعة مؤلفات( .1 :تفسر ما بعد الطبيعة)؛ ( .2تلخيص
الساء والعام)؛ ( .3رسالة ي إمكان ااتصال بالعقل
الفعال)؛ ( .4هافت التهافت).
ي رحه عى مقالة الام من (تفسر ما بعد
الطبيعة) ،يؤكد ابن رشد عى اأسبقية الزمانية للفلسفة
عى الدين ،لكن ا عى طريقة الفاراي بنظرية متكاملة ي
فلسفة التاريخ الديني ،بل بطريقته هو وهي رح أرسطو
حسب ما يقتضيه مذهبه .أثبت أرسطو ي هذه امقالة
امحرك اأول الذي ا يتحرك ،وامتحرك اأول دائم
احركة [الساء اأوى أو الفلك امحيط أو الفلك اأقى]،
وامحركات الثواي لبقية اأفاك والتي هي مسببات عن
حركة امتحرك اأول؛ وأوضح طبيعة حركات هذه اأفاك
وأها من جنس النفس بالنسبة للجرم الساوي؛ إذ هي
حرك اجرم الساوي حريك النفس للجسم .وبعد أن أثبت
أرسطو أن هذه امحركات نفوس بالنسبة لأجرام الساوية
وعقول ي عاقتها بامحرك اأول وامتحرك اأول ،وأها
ذوات نفوس وعقول وأها متنفسة وحية ،يرح ابن رشد
هذه النظرية بذهابه إى أن أول من اكتشف هذه امبادئ
امفارقة لأفاك هم الكلدانيون ،الذين يقال عنهم «إن
احكمة كانت قد كملت عندهم»( .)36لكن ما بقي من
تلك احكمة هو جرد ألغاز ،أي خييات وصور جازية .إذ
حولت هذه امبادئ امفارقة التي حرك اأفاك والتي تؤثر
ي عام ما دون فلك القمر وحفظه إى آهة عندما تدهور
العلم الكلداي وهبط إى امستوى الشعبي العامي وصار
نحلة واقرب من السحر .يقول ابن رشد« :إا أن ما بقي
من تلك اأقاويل جري جرى األغاز [ ]...وقد نُقلت عن
اأقدمن جد ًا أقاويل جري اليوم جرى األغاز ،وهو أن
هذه اأجرام الساوية آهة ،وأها التي حيط بجميع اأشياء
التي توجد بالطبع»( .)37ومعنى هذا أن العبادات البدائية
التي كانت تؤمن بتعدد اآهة وتعبد النجوم والكواكب
عى أها آهة كانت التدهور التارخي للعلم الكلداي الذي
كان أول من اكتشف تأثر اأفاك عى احياة عى اأرض.
وأستطيع أن أضيف إى حليل ابن رشد هنا ،أنه ما كان
العلم الكلداي ليس عل ًا برهاني ًا يقيني ًا مثل العلم اأرسطي،
ا توحيدية ،بل مل ً
فإن املل التي صدرت عنه م تكن مل ً
ا
تؤمن بتعدد اآهة ،تعدد النجوم والكواكب .ويستمر
ابن رشد ي توضيح أن الدافع الذي جعل هذه املل مثل
133 /
اأجرام الساوية باآهة ،ويقول عنه إنه صاح الناس
الذي ا يأي إا بإقناعهم بامبادئ النظرية للموجودات،
بالطرق امناسبة إقناعهم ،ولذلك ُم ِثلت هم هذه اأجرام
وتأثراها باآهة .لكن مثيل اأجرام الساوية باآهة ليس
صادق ًا ،إذ أن اأجرام ليست آهة عى احقيقة؛ وكان القصد
هذا التمثيل «إقناع الناس موضع إصاح أخاقهم وللذي
هو خر هم وهو الذي ُيقصد باستعال النواميس»( .)38أما
الفلسفة اليقينية احقة فهي التي ا تنظر إى اأفاك عى أها
مستقلة وقائمة بذاها ،بل عى أن فعلها وحركاها آتية من
امحرك اأول ذاته؛ وهذا ما جعل الفلسفة الرهانية اليقينية
(فلسفة أرسطو) أساس املة الصادقة الفاضلة التي هي ملة
التوحيد .هذه املة م تعد ترمز للمبادئ امفارقة باآهة بل
رمزت إليهم بامائكة الذين هم جند اه وامؤمرون بأمره
وامطيعون مشيئته( .)39وقد عر الفاراي وابن سينا عن هذه
الفكرة نفسها ي أكثر من عمل ،واتبعها موسى بن ميمون
ي كتابه (دالة احائرين)(.)40
ويؤكد ابن رشد عى أن القدماء ،أو اأوائل أو
احكاء اأوائل (وكلها بنفس امعنى) كانوا يقصدون
باآهة هذه اأجرام الساوية وما تتصف به من نفس وعقل
وأها مؤثرة ي عام ما دون فلك القمر تأثر ًا طبيعي ًا .وبالتاي
فإذا كانت اآهة التي كانوا يقصدوها جرد خييات وأمثال
عى امبادئ اأوى للوجود فإن هذا يعد تأوي ً
ا صحيح ًا ها
وصادق ًا ويقيني ًا .أما املل التالية التي قصدت من مبادئ
الوجود امفارقة أن تكون آهة عى احقيقة فهي ملل فاسدة
عند ابن رشد ،متبع ًا ي ذلك الفاراي .وي ذلك يقول:
«فإن تأول اإنسان أهم إنا رمزوا باآهة وهم كانوا
يريدون اجواهر اأول التي هي مبادئ اأجرام الساوية
واأجسام الساوية ،فيكون تأوي ً
ا صحيح ًا ورمز ًا يوافق
احق؛ أنه إن ُع ِر باآهة عن شئ من اأشياء فهذه اجواهر
هي أحق هذه العبارة [ ]...ولذلك وجب أن ُيعتقد أن هذه
الرموز هي بقايا بقيت من آرائهم التي فسدت وبادت»(.)41
ويذهب ابن رشد ي اتفاق مع أرسطو إى أن الفلسفة
وجدت وبادت مرات عديدة ي قديم الزمان ،وي كل مرة
تبيد فيها الفلسفة تتحول إى ملة شعبية تؤمن بتعدد اآهة
وبأن اأفاك وأجرامها آهة .حتى جاءت فلسفة أرسطو
الرهانية اليقينية التي أرجعت كل امبادئ امفارقة إى مبدأ
واحد وحرك أول واحد وبذلك كانت أساس ملة التوحيد.
وهذه الفكرة الرشدية هي التحقيق العمي لنظرية الفاراي
134
ي أن املة اإنسانية الصادقة مؤسسة عى فلسفة برهانية
صادقة ،كا أها تعر بدقة عن فكرة التدهور التارخي
للعلم إى اخرافة والسحر ،ولأديان إى نحل شعبية ،وهو
ما يتفق مع ما سيقوله توينبي كا سنرى.
وما كانت الفلسفة سابقة عى املة بإطاق كا ذهب
الفاراي ،فإن الفاسفة عند ابن رشد كانوا سابقن دائ ًا عى
اأديان بالزمان ،وكانوا موجودين وقت ظهور اأديان،
وكانت اأديان تظهر وي العام فاسفة .وأن اأديان
هي رائع ت ِ
ُصلح معاش الناس وأحواهم ،وأن الفاسفة
كانوا دائ ًا ما هدفون صاح امجتمع بأي طرق كانت ،فقد
كان الفاسفة يقبلون دائ ًا كل ملة جديدة ما رأوا فيها من
نفع للمجتمع وإصاح له؛ إذ أن سعادة العامة عند ابن
رشد هي هدف الفاسفة أيض ًا ا سعادة اخاصة وحسب،
وأن سعادة اخاصة عنده ا تتم إا بسعادة العامة .ولذلك
نرى ابن رشد يقول ي (هافت التهافت) إن الفاسفة كانوا
دائ ًا ما يقبلون كل دين جديد ،وأن علاء اإسكندرية قد
قبلوا اإسام وقت ظهوره أهم وجدوا فيه صاح
الناس ،وكذلك احال مع الفاسفة ي باد الروم والذين
تنروا بعد ظهور امسيحية( .)42إذ عندما وجد الفاسفة
أن املل كلها ُجمع عى حر اأجساد وعى أن امبدأ اأول
وامبادئ الثواي امفارقة هي اه وامائكة ،وعى أن هناك
سعادة أخروية وشقاء أخروي ،قبلوها لعلمهم أن سعادة
الناس ا تتم إا بامبادئ النظرية امرموز ها ي املل؛ إذ
أن هذه امبادئ هي أساس الفضائل اأخاقية التي هي
قوام ااجتاع البري .وهذا هو نفسه السبب الذي جعل
الفاسفة يقبلون امجازات والتخييات وامثاات التي ي
الدين ،لعلمهم أها هدف إقناع العامة وفق الطرق امناسبة
هم بامبادئ النظرية الرورية لصاح جتمعهم.
لكن إذا كانت اأولوية اأنطولوجية واإبيستيمولوجية
والتارخية هي للفلسفة عى الدين ،فا هي طبيعة العاقة
بن النبي والفيلسوف عند ابن رشد؟ نستطيع تلمس
مامح هذه العاقة ي الصفحات اأخرة من (هافت
التهافت) ،إذ يقول« :ولذلك أصدق كل قضية هي أن
كل نبي حكيم وليس كل حكيم نبي ،ولكنهم العلاء
الذين قيل فيهم إهم ورثة اأنبياء»( .)43فكل نبي حكيم
معرفته بامبادئ النظرية الكلية التي ها صاح الناس وهي
اه وامائكة والسعادة والشقاء اأخرويان؛ وهو نبي أنه
يضع هذه امبادئ للناس ي صورة عقائد إيانية ويرمز ها
بمجازات وأمثال ورموز وخييات مناسبة للجمهور؛
وأنه يضع مبادئ الفضائل اخلقية تقليد ًا ا برهان ًا ،أن
الرهان الوحيد عليها تابع ها وهو ما ينتج عنها من صاح
اجتاعي ومنافع وفضائل أخاقية .وليس كل حكيم نبي
إذ ليس كل الفاسفة قادرين عى استعال امخيلة ي الرمز
واإشارة إى مبادئ اموجودات با يناسب فهم اجمهور،
وا عى استعال اخطابة ي نقل ما ترهن ي العلم
اليقيني إى اجمهور .فهذه هي قدرة النبي وحده .لكن
هذا ما جعلنا نتوصل إى أن بعض احكاء أنبياء؛ أي أن
كل اأنبياء حكاء وبعض احكاء أنبياء .فبا أنه ليس كل
احكاء أنبياء فإن معنى هذا أن بعض احكاء أنبياء .ومن
ثم فإن بعض احكاء يمكنهم أن يصلوا إى درجة النبوة،
لكن ا إى النبوة ذاها .وهؤاء هم الذين قال عنهم ابن
رشد إهم ورثة اأنبياء .إهم ورثة اأنبياء ي شأن واحد
فقط وهو أنه يمكنهم أن يتولوا بعد اأنبياء قيادة جتمعاهم
نحو الفضيلة اأخاقية والصاح ااجتاعي ما لدهم من
علم برهاي يقيني ،لكن ا باعتبارهم جرد حكاء ،بل
باعتبارهم حكاء وورثة لأنبياء ي الوقت نفسه .يريد ابن
رشد أن تكون الفلسفة هي قوام الريعة والق ّيمة عليها
وامستمرة ي تعليم اجمهور بعد الريعة وعى منواها.
ولذلك فالرتيب اجديد الذي يمكن أن نستخلصه
من ابن رشد هو :حكمة قديمة (الكلدانيون) ـ ملل صادرة
عنها أو متدهورة منها تؤمن بتعدد اأهة ـ حكمة تامة
يقينية برهانية (أرسطو) ـ ملل التوحيد والرائع الساوية ـ
عودة احكمة مرة أخرى لتقود اجمهور باأساليب امناسبة
للجمهور .هذا التصور للرتيب الزمني للفلسفة والدين
يتفق مع ما قاله ابن رشد ي "تفسر ما بعد الطبيعة" حول
ظهور الفلسفة واختفائها مرات عديدة .لكن امرة اأخرة
هي بعد ريعة اإسام مع ابن رشد نفسه الذي يمثل آخر
التطور التارخي.
.IVنظرية توينبي ي نشأة اأديان العامية
نظريتي الفاراي وابن رشد
كمثال عى صحة
ْ
احقيقة أن أولوية الفلسفة عى املة والتي رأيناها
عند الفاراي وابن رشد ،وإن كانت تسر عكس الرتيب
امعتاد ي الدراسات احديثة لأديان ،وعكس ترتيب
مراحل التطور التارخي الذي وجد تعبر ًا دقيق ًا عنه ي
نظرية كومت ي امراحل الثاث ،فإها تتفق إى حد كبر
أشرف منصور
مع نظرية توينبي ي النشأة التارخية لأديان وي العاقة
بن اأديان والفلسفات.
وضع توينبي نظرية كرى ي التطور التارخي
للحضارات يفر ها نشأة وصعود وسقوط وتدهور
احضارات اإنسانية الكرى .إذ رصد أربع مراحل مر
ها كل حضارة :امياد والصعود أو النمو ،ثم اانكسار
مرحلتي امياد
أو السقوط ،وأخر ًا ااضمحال .ي
ْ
والصعود يشهد جتمع احضارة الناشئة أقلية مبدعة
،Creative Minorityتنجح ي ااستجابة للتحديات
التي جد امجتمع النايء نفسه فيها .تتكون هذه اأقلية
امبدعة من رائح كثرة ،منها احكام وقادة اجيوش
وامبدعون ي كل جال با فيهم امفكرون ،أي الفاسفة.
وي مرحلة الصعود واازدهار تنجح هذه اأقلية امبدعة
ي قيادة جتمعها وي السيطرة عى الطبيعة وي التصدي
للعدوان اخارجي؛ والفاسفة ينتمون إى هذه اأقلية
امبدعة ،والذين يقيمون رؤى فكرية عقانية شاملة للعام
ولإنسان ي صورة مذاهب فلسفية كرى تستجيب
احتياجات هذا امجتمع العقلية والروحية والعلمية(.)44
وكانت هذه هي الفلسفات القديمة حضارات الرق
القديم( ،)45ومنها احضارة الكلدانية ،وقد رأينا أن ابن
رشد يقول عن الكلدانين إن العلم قد اكتمل ي عرهم؛
والفلسفة اليونانية ذاها .تنجح هذه الفلسفات ي أن تكون
أنساق ًا عقانية للخاصة وأشباه أديان للعامة .والدليل عى
ذلك أن الفيثاغورية كانت فلسفة للخاصة ،أما جانبها
الروحي واأخاقي فقد كان شبه دين للعامة .وكذلك
احال بالنسبة لأبيقورية والرواقية واأفاطونية امحدثة،
التي كانت فلسفات للخاصة وحاوات لتأسيس أديان
فلسفية ي الوقت نفسه ،وذلك قبل ظهور وسيادة امسيحية
ي العام اهليني .وم تكن فلسفة أفاطون خلو هي اأخرى
من طابع روحي ومن عنار شبه دينية.
أما مرحلة انكسار احضارة فهي تأي عندما تفشل
اأقلية امبدعة ي أن تستجيب للتحديات اجديدة ،داخلية
وخارجية .ويتمثل التحدي الروحي اجديد ي زيادة
احاجة إى ديانة روحية عالية مناسبة للجمهور .وعندما
تفشل الفلسفات القائمة ي توفر أساس هذه الديانة،
وتعجز عن أن توفر الغذاء الروحي واأمان الوجودي
جمهور يعاي اأزمات والكوارث ،تنتهي هذه الفلسفات
وخي الساحة لأديان الكرى( .)46وي مرحلة اضمحال
135 /
احضارة تتحول اأقلية امبدعة إى أقلية مسيطرة
،Dominant Minorityحاول السيطرة عى جتمعها بالقوة
وتفرض فلسفاها التي م تعد تستجيب للمطالب الروحية
امتزايدة للناس ،وهذا ما يؤدي إى مزيد من العداء هذه
الفلسفات( .)47ومع زيادة اانفصال واانشقاق بن اأقلية
امسيطرة واجمهور الذي حول إى بروليتاريا ،تظهر أقلية
مبدعة أخرى وهم اأنبياء والرسل ومؤسسو اأديان
الكرى ،لتوفر للروليتاريا دين ًا شام ً
ا عامي ًا ،نظر ًا لتحول
الروليتاريا ي امرحلة امتأخرة من احضارة إى بروليتاريا
عامية .هذا الدين ينجح بأن يستجيب للمطالب الروحية
امتزايدة للناس وبأن يوفر هم الصر والسلوان ي مرحلة
اضمحال احضارة وعر الكوارث واأزمات(.)48
وأن الفلسفات القديمة حولت إى رؤى للعام
مفروضة بالقوة عى امجتمع ي مرحلة ااضمحال،
حدث بينها وبن الدين اجديد راع طويل ،ينتهي دوم ًا
بانتصار الدين عن طريق تبني الدولة العامية له حفاظ ًا عى
السلم واأمن والتاسك ااجتاعي .وهذا هو ما حدث
ي اإمراطورية الرومانية البيزنطية عندما تم غلق مدارس
الفلسفة ي القرن السادس ،وحدث كذلك ي عر الدولة
اإسامية عندما مت حاربة الفلسفة والفاسفة.
ثم مر احضارة التي سادت فيها ديانة عامية بمرحلة
بيات شتوي طويل ،أو مرحلة ترنق حول الدين .وهو
ما حدث ي العصور الوسطى امسيحية واإسامية مع ًا.
حتى يتم نشوء حضارة جديدة تعيد إحياء الفلسفات
القديمة مرة أخرى ي عر هضة .وهو ما تم ي فجر
احضارة اأوربية احديثة عندما حدث إحياء لأرسطية
واأفاطونية ي مواجهة الكنيسة ي عر النهضة.
وعندئذ تظهر حضارة جديدة بفلسفة جديدة مقامة عى
إحياء الفلسفات القديمة( .)49وناحظ من هذا الرتيب
التارخي أنه يتفق إى حد كبر مع رؤية الفاراي وابن رشد
للنشأة التارخية لأديان وللعاقة بن الفلسفة والدين.
خامـة
اعتمد الفاراي وابن رشد ي إعطائها اأولوية
التارخية للفلسفة عى املة عى نظرية فلسفية ،ذات أصول
أرسطية وأفاطونية حدثة ي حالة الفاراي ،وذات أصول
أرسطية خالصة عند ابن رشد .وكان ما يوجهها ي ذلك،
هو اعتقادما ي أن احقيقة يتم الوصول إليها بالعقل أواً
136
قبل أن تتحول إى حقيقة دينية وتنقل إى اجمهور ي
خطاب ديني ،وأن العقل البري جب عليه أواً أن يصل
إى مرحلة من التطور الذهني تتيح له إدراك امبدأ اأول
للوجود (لدى الفاسفة بالطبع) قبل أن تعر عنه اأديان
بالوحي .واحقيقة أن خالفة هذه النظرية للدراسات
احديثة ي اأديان ذات الرؤية التطورية اخطية والتي تعتقد
ي وقوع اأديان ي مرحلة مبكرة من تاريخ البرية وسابقة
عى الفلسفة والعلم ،تشكك من صحة هذه الدراسات،
خاصة وأها مدعمة ببعض ااكتشافات احديثة للتقدم
العلمي للحضارات القديمة .وقد أثبتنا كيف أنه ا يوجد
إماع عى مستوى الدراسات التارخية عى الرؤية التطورية
اخطية لتاريخ اأديان ،واستشهدنا عى ذلك بتوينبي الذي
مل رؤية خالفة للعاقة بن الفلسفة والدين تضع الفلسفة
ي مرحلة تارخية سابقة عى اأديان ،وتنظر إى بعض
اأديان عى أها مثل التدهور التارخي لفلسفات قديمة
سابقة عليها ،وإى بعضها اآخر عى أنه التطور التارخي
ِ
العام إى امستوى
لرؤى فلسفية للعام نقلت من امستوى
العامي الشعبي ،وهو ما يمثل لدينا إثبات ًا لصحة نظرية
الفاراي وابن رشد.
اأTسـرف منـ�سوQ
Lامعة الآOاب ــ الإ�سكندjQة -م�سر
اهوامــش
(August Comte, The Positive Philosophy of )1
August Comte. Translated by Harriet Martineau. Vol.
;II. (London: George Bell & Sons, 1896), pp. 309 ff
Vol. III, Passim.
(James G. Frazer, The Golden Bough. A Study in )2
Magic and Religion. Abridged edition in 1 volume.
(New York: The Macmillan co., 1925).
( )3الفاراي :كتاب آراء أهل امدينة الفاضلة .قدم له وعلق
عليه د .ألبر نري نادر .دار امرق ،بروت ،الطبعة الثامنة،
.2002ص .46
( )4الفاراي :كتاب السياسة امدنية ،املقب بمبادئ
اموجودات .حققه وقدم له وعلق عليه د .فوزي مري نجار.
دار امرق،بروت .الطبعة الثانية ،1993ص .32-31
( )5الفاراي :التنبيه عى سبيل السعادة .منشور ي "الرسائل
الفلسفية الصغرى" .حقيق وتقديم أ.د .عبد اأمر اأعسم.
دار التكوين للتأليف والرمة والنر ،دمشق ،2012ص
.307-306
( )6الفاراي :كتاب السياسة امدنية ،ص .73
( )7الفاراي :كتاب احروف .حققه وقدم له وعلق عليه حسن
مهدي .دار امرق ،بروت ،الطبعة الثانية ،1990ص .132
( )8امرجع السابق :ص .131
( )9الفاراي :كتاب السياسة امدنية ،ص .74
( )10امرجع السابق :ص .78
( )11امرجع السابق :ص .77
( )12حول نظرية اإسكندر اأفروديي ي ااتصال بالعقل
الفعال وأثرها ي فاسفة اإسام ،انظر:
Kessler, Eckhard: “Alexander of Aphrodisias and his
Doctrine of the Soul”. Early Science and Medicine
16 (2011), 1-93.
ـ انظر أيض ًا :حمد امصباحي" :أبو نر الفاراي ـ البحث
عن السعادة ي خوم ما بعد الطبيعة" ،بحث منشور ي كتاب:
من امعرفة إى العقل :بحوث ي نظرية العقل عند العرب.
دار الطليعة ،بروت ،1990 ،ص 31وما بعدها؛ حمد
امصباحي :إشكالية العقل عند ابن رشد .امركز الثقاي العري،
بروت ،1988ص .57-56 ،51 ،47 ،35-33 ،26
( )13الفاراي :كتاب السياسة امدنية ،ص .79
( )14أرسطوطاليس :ي النفس .ترمة إسحق بن حنن .مع
نصوص أخرى حقيق وتقديم ورح د .عبد الرمن بدوي.
وكالة امطبوعات ،الكويت ،ودارالقلم ،بروت .الطبعة الثانية
.1980ص .75-72
( )15أما ما ذكره أرسطو ي كتاب "احاس وامحسوس"
عن النبي فهو خص الرؤى واأحام ،وينتمي ملكة
امخيلة ا العقل امستفاد .ابن رشد :تلخيص كتاب احاس
وامحسوس أرسطو ،للقاي أي الوليد ابن رشد .منشور ي:
137
أرسطوطاليس :ي النفس ،ص 221ـ.231
( )16الفاراي :كتاب السياسة امدنية ،ص .79
( )17امرجع السابق :ص .80-79
( )18الفاراي :كتاب آراء أهل امدينة الفاضلة ،ص
112ـ.116
( )19الفاراي :كتاب السياسة امدنية ،ص .85
( )20يقول الفاراي ي هذا امعنى" :فلذلك قد يمكن أن تكون
أمم فاضلة ومدن فاضلة ختلف مللهم وإن كانوا كلهم يؤمون
سعادة واحدة بعينها .فإن املة هي رسوم هذه (السعادة] أو
رسوم خيااها ي النفوس ...فتُحاكَى هذه اأشياء لكل طائفة
وأمة باأشياء التي هي أعرف عندهم .وقد يمكن أن يكون
اأعرف عند كل واحد منهم غر اأعرف عند اآخر .وأكثر
الناس الذين يؤمون السعادة إنا يؤموها متخيلة ا متصورة...
والذين يؤمون السعادة متصورة ويقبلون امبادئ وهي متصورة
هم احكاء .والذين توجد هذه اأشياء ي نفوسهم متخيلة
ويتقبلوها ويؤموها عى أها كذلك (متخيلة] هم امؤمنون".
(السياسة امدنية ص .)86-85
( )21احقيقة أن هذا الرأي للفاراي وإن كان يظهر عى أنه
مبالغة ي إعاء شأن أرسطو ،إا أن نفس هذه الوجهة ي النظر
إى أرسطو باعتباره الفيلسوف الذي وضع أسس العلم اليقيني
دفعة واحدة ،استمرت حية حتى العر احديث .ففي أوج
عر التنوير امؤمن بالتقدم والتطور الفكري الراكمي ،أعلن
كانط ي كتابه "نقد العقل اخالص" أن امنطق ُولد كام ً
ا عى
يد أرسطو ،وم تكن جهود الفاسفة من بعده سوى التوسيع
والتدقيق والتفريع.
- Kant, Critique of Pure Reason. Translated by
Norman Kemp Smith.(London: Macmillan, 1961), B viii.
( )22هذا التحليل هو ما يمكن استنتاجه ما يقوله الفاراي ي:
السياسة امدنية ،ص .81-80
(Kalman Bland, Averroes’ The Epistle On The )23
Possibility Of Conjunction By Ibn Rushd, With The
Commentary of Moses Narboni (A Critical Edition
and Annotated Translation). PhD Dissertation,
Brandeis University, 1972. P. 117.
( )24الفاراي :كتاب احروف ،ص .131
( )25كان فيلسوف التاريخ توينبي عى وعي هذه اأسبقية،
كا سوف يتضح من اجزء اأخر من هذه الدراسة.
( )26امرجع السابق :ص .132
( )27امرجع السابق :ص .133
( )28امرجع السابق :ص .135-134
( )29امرجع السابق :ص .154
( )30أسهب ليو شراوس ي دراسة اجانب امستور ي أسلوب
الفاراي ي كتابه الشهرStrauss, Leo Persecution and:
the Art of Writing. (Chicago & London: The University
of Chicago Press, 1952), pp. 9-21.
( )31ابن رشد :فصل امقال ي تقرير ما بن الريعة واحكمة
من ااتصال .مع مدخل ومقدمة حليلية للمرف عى امروع
د .حمد عابد اجابري .مركز دراسات الوحدة العربية ،بروت،
الطبعة اأوى ،1997ص .124-123 ،120 ،98 ،96
( )32الفاراي :كتاب احروف ،ص .152
( )33الفاراي :كتاب احروف ،ص .154
( )34والذي عر عنه ابن خلدون بدقة ،عندما حدث عنها
واصف ًا حاها ي ديار اإسام ي فصل من امقدمة بعنوان:
"ي إبطال الفلسفة وفساد منتحلها" .ابن خلدون :امقدمة.
نر خليل شحادة وسهيل زكار .دار الفكر للطباعة والنر
والتوزيع ،بروت ،2001 ،ص .713-707
( )35ابن رشد :تفسر ما بعد الطبيعة .حقيق ونر موريس
بويج .دار امرق ،امطبعة الكاثوليكية ،بروت .1967امجلد
الثالث ،ص .1688
( )36امرجع السابق :الصفحة نفسها.
( )37امرجع السابق :الصفحة نفسها.
( )38ابن رشد :الروري ي السياسة .ختر كتاب السياسة
أفاطون .نقله عن العرية إى العربية د .أمد شحان .مقدمة
وحليل وروح د .حمد عابد اجابري .مركز دراسات الوحدة
العربية ،بروت ،1998ص .88-87
( )39موسى بن ميمون :دالة احائرين .عارضه بأصوله
العربية والعرية د .حسن أتاي .مكتبة الثقافة الدينية ،القاهرة،
الطبعة الثانية ،2008ص .112
( )40ابن رشد :تفسر ما بعد الطبيعة :ص .1690-1689
( )41يقول ابن رشد" :وجب عليه أن ختار أفضلها ي زمانه
وإن كانت كلها عنده حق ًا ،وأن يعتقد أن اأفضل ينسخ با هو
أفضل منه"؛ أي أن اأديان كلها عند الفيلسوف حقة ومتساوية
القيمة واهدف" ،ولذلك أسلم احكاء الذين كانوا يعلمون
الناس باإسكندرية ما وصلتهم ريعة اإسام ،وتنر
احكاء الذين كانوا بباد الروم ما وصلتهم ريعة عيسى عليه
السام ."...ابن رشد :هافت التهافت .حقيق موريس بويج.
دار امرق ،بروت ،الطبعة الرابعة ،2003ص .583
( )42ابن رشد :هافت التهافت ،ص .584-583
(Arnold J. Toynbee, A Study of History. Volume )43
I. (London: Oxford University Press, 1934).
( )44والتي يقال عنها إها كانت أساس الفلسفة اليونانية .انظر
ي ذلك :مارتن برنال :أثينا السوداء .اجذور اأفروآسيوية
للحضارة اإغريقية .اجزء اأول :تلفيق باد اإغريق
.1985-1785حرير ومراجعة د .أمد عتان .ترمة د.
لطفي عبد الوهاب وآخرون .امجلس اأعى للثقافة ،القاهرة،
.1997
(Toynbee, A Study of History. Volume V, The )45
Disintegrations of Civilizations. (London: Oxford
University Press, 1939), pp. 646ff.
Ibid: pp. 680-683.
()46
Ibid: pp. 545-553.
()47
(Ibid: vol. VII, Universal States, Universal )48
Churches, pp.70, 515-516, 541.
)Powered by TCPDF (www.tcpdf.org